الأكاديمية الوطنية لصناعة المستقبل

05:16 م | الإثنين 01 يوليو 2024

في أي معسكر تقع أنت؟ ذلك المنحاز لحلم الوظيفة، أم أسير الوظيفة الحلم؟.. فارق كبير بين الهدفين، الأول يحارب البطالة ويعتبر انعكاس لها، والثاني يحارب الرتابة ويعتبر الباب الشرعي للفرصة وللتغيير، ليس في حال صاحبها، بل في حال جيل بأكلمه، قرر أن يميز نفسه بمجموعة من الصراعات والتحديات لم يخترها وإن دفع إليها دفعا، فصار حلمه بالتغيير لنفسه ولبلده وإقليمه يبدأ من فرصة عمل يتاح له من خلالها أن يمارس ما آمن به.

عشنا سنوات طوال أسرى الشهادة، أسرى حياة كتبت علينا، تسلسل دراسي يشبه التسلسل الوظيفي من الدرجة الأولى للسادسة، وحوافز لمن يجتاز هذا التسلسل تشبه تلك الفروق بين كل درجة وظيفية وأخرى، الناجح هو من يجتاز المكتوب عليه ويؤديه، والفاشل هو من يغرد خارج السرب بحلم، حتى لو كان حلمه مشروعا أو يفتح آفاق جديدة ورحبة، هو فاشل لأنه دعا لـ«دين جديد»، وخرج عن سرب الأباء، حمل الوصمة لمجرد أنه اختلف، وسيعيش بقية حياته إما مدافعا عن ما آمن به، أو محاربا لكل من وصموه ليثبت لهم العكس.

سنوات طويلة أيضا قضيناها في محاربة التغيير، منذ أن هل علينا بمعنى ينافي المقصود منه، منذ أن أصبح مقترنا بالتدمير والفوضى، وهو في حقيقة الأمر بريء من كل هذا الوصم، فالتغيير في حد ذاته هو طبيعة الأمور والأشياء، والتغيير الذي تسعى إليه الدول هو الهادف إلى تحقيق مصلحتها العليا وأحلام مواطنيها، وأي تغيير في ثقافة العمل أو معايير التوظيف ينصب مباشرة في نتائج مختلفة يحصدها المجتمع وتنعكس على أفراده ومؤسساته.

أتذكر كل هذه الفوارق وأنا أتابع كل ما ينشر عن مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، وكيف وضع الحوار الوطني مجموعة من الضوابط والمحددات لملفات عمل الحكومة الجديدة لتلبي احتياجات المواطنين وتعبر عن التغيير الشامل في الرؤى وفي السياسات والذي أعلنه الرئيس السيسي في تكليفه لمدبولي بتشكيل الحكومة، مجموعة من الأمور تبدو متصلة منفصلة أو تؤدي بعضها لبعض، نضع كل هذا في سياق واحد مع حقيقة أصبحت واقعا ملموسا وهو أن الأكاديمية الوطنية للتدريب صارت المكان الذي يؤهل الشباب للتغيير، والخروج عن مسار الآباء، والتحول التدريجي من حلم الوظيفة إلى الوظيفة الحلم.

هذا التحول هو الذي قادنا الآن إلى التفرقة بين التأهيل والتمكين، وكلاهما من أهداف الأكاديمية الوطنية وبرامجها التدريبية لشرائح الشباب تحت سن الأربعين، فالدور الرئيسي هو «التأهيل للتمكين»، تدفع الأكاديمية الشاب إلى الجاهزية والصلاحية، تعلي مهاراته ومؤهلاته، تصنع من حلمه مشروعا متكاملا، فإذا احتاجت الدولة للمشروع وصاحبه، وامتلك باقي المؤهلات التي تسير به نحو التمكين، حصل عليه حقا وفرضا، وإن لم تحتاجه الدولة أو لم يمتلك بقية المؤهلات، صار تأهيله وحده هدفا عظيما ومشروع يعيش لأجيال وأجيال ويؤثر بالطريقة نفسها التي يؤثر بها من حصل على تمكين وظيفي أو قيادي.

هذا الفارق هو الذي صنع الفارق لدى كل خريجي الأكاديمية، هو من جعلهم يبدون كبنيان مرصوص، يعي أهدافه جيدا ويسير نحوها بخطى ثابتة، واسعة بعض الشيء حسب مهاراتهم، هي التي تقود بعضهم إلى التمكين الحتمي، لا أستبعد أن أجد في قائمة الوزراء الجدد شباب -أو هكذا كانوا قبل 8 سنوات هو عمر الأكاديمية- من خريجيها، لا أستبعد أن يقودنا هؤلاء بطاقاتهم وخبراتهم المكثفة رغم أعمارهم القليلة إلى نجاحات نستحقها، نستحق من يعمل لأجل نفسه ووطنه، بمشروع محدد وأهداف لا تنمي حساباته البنكية قدر ما تنمي موقع دولته من كل شئ حولها، اقتصاديا وسياسيا، ففي هذا النمو نماء للجميع، والجميع هنا «مصر».