الخاتمة.. والبدايات

05:03 ص | الخميس 04 يوليو 2024

يقول الله تعالى فى سورة إبراهيم: «وَسَكَنتُمْ فِى مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ». جاءت هذه الآية الكريمة بعد قوله تعالى: «أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ». فالإنسان الذى يظن أن معطيات الدنيا غير زائلة، ويصيبه غرور القوة، من الطبيعى للغاية تذكيره بالتاريخ ودروسه وعبره، والقوانين التى تحكم حركته. فالإنسان الذى يقسم أن مُلكه -بضم الميم- أو مِلكه -بكسر الميم- لا يزول جاهل بالتاريخ، ولو كان له به علم لأدرك أنه لا شىء باقياً فى هذه الدنيا، وليس هناك من هو مخلَّد فيها، وأن أى قوة تحاول اختبار نفسها لا بد أن تخسر، وهى بهذه المحاولة تسكن فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم. وليس المقصود بالسكن هنا النزول فى بيوت أو قصور الظالمين، بل النزول فى مواقعهم وتمثّل سلوكياتهم، وتكرار أدائهم الطاغى الباغى.

كل من يتأمل التاريخ يخلص إلى حقيقة تقول: إن القوة التى تضع نفسها فى اختبار لا بد أن تخسر وتزول، لقد فعل قوم عاد، وقوم ثمود، وآل فرعون، ذلك، فكيف كانت نهايتهم؟ يقول الله تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلادِ، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ». هذا الدرس استوعبه الجيل الأول من المسلمين جيداً، ومنهم الجيل الذى واجه الفرس وملكهم كسرى الذى تمكن منه إحساس طاغٍ بالشعور بالقوة، حين وصلته رسالة النبى، صلى الله عليه وسلم، والتى يدعوه فيها إلى الهدى فمزقها. وكان هاشم بن عتبة أكثر قواد القادسية استيعاباً لهذه الحقيقة، لذا قفز فى ذهنه قوله تعالى: «أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ، وَسَكَنتُمْ فِى مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ».

لو تبين كل من يعيش إحساس غرور القوة كيف كانت نهايات الظالمين لما وقع فى المحظور. لقد انتهى أمر قوم عاد بالعاصفة، وقوم ثمود بالصيحة، وآل فرعون بالغرق، وغيرهم وغيرهم، لذلك نبهت الآية الكريمة إلى الفخ الذى وقع فيه هؤلاء بإهمال دروس التاريخ، وعدم الالتفات إلى مآلات من أقسموا -من قبل- أن ما لهم من زوال، فهؤلاء فعلوا مثلما فعل من ظلموا أنفسهم بظلم غيرهم، فالإنسان حين يظلم غيره فإنه يظلم نفسه بالأساس، حين يضعها فى مرمى عقاب الله، فلا شىء يمر دون حساب: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ». الله تعالى لم يترك ابن آدم لنفسه، بل علّمه وضرب له الأمثال، فإذا ترك الإنسان ما علّمه الله، وسلّم نفسه لشيطان ذاته فقد حُق عليه العذاب.

على الإنسان أن يتحسب لخطواته، ويتأمل فى تجارب غيره، ويدرس المآلات ويأخذها فى الاعتبار، وهو يضع قدميه على خط البداية، حتى لا يجد نفسه يردد وهو واقع تحت مطرقة السقوط فى الختام: «لو أنى أعرف خاتمتى ما كنت بدأت».