«حكاية 11 ساعة عمليات».. كيف أجرى فريق طبي بعين شمس أول زراعة رئة في مصر؟

رئة

رئة

09:29 م | الأربعاء 21 ديسمبر 2022

تصوير - فادي عزت

11 ساعة متواصلة، تلك هي المدة التي استغرها فريق طبي مكون من حوالي 50 طبيب لإجراء جراحة هي الأصعب والأعقد في علم الطب، وهي زراعة رئة من متبرعين أحياء، لتصبح هي الأولى في مصر والشرق الأوسط، فعلى مدار أربعة سنوات متواصلة كانت هناك تجهيزات عديدة على مختلف المستويات، فنية وطبية وخضوع المتبرعين لفحوصات شتى فائقة الدقة.

«أنور»: العملية استغرقت 11 ساعة وهي الأصعب من نوعها.. واستلزمت خبرة وتدريبات كافية فى مصر والسعودية واليابان

وفي تمام الساعة الثامنة صباح الأربعاء 14 ديسمبر الجاري، خضعت سحر ربيع (28 عاماً) لإجراء عملية تعد هي الأولى من نوعها، وهي زراعة رئة من متبرعين أحياء، بمستشفى عين شمس التخصصي، التابع لجامعة عين شمس، بعد أن عانت من أمراض شتى في التنفس، علمياً قُدرت مدة بقائها على الأرض بـ«شهرين تقريباً»، إلا أن يشاء الله بمعجزة ما.فريق طبي يتكون من 50 طبيب من مختلف التخصصات العملية، كالصدر والتخدير وغيرها من التخصصات التي لها علاقة وثيقة بالتنفس، خضع العديد لتدريبات مكثفة في مصر وخارجها كاليابان والسعودية، حتى يكون على أهبة الاستعداد لإجراء عملية هي الأصعب في عُرف أهل الطب والجراحة.

«مصطفي»: الكل اكتسب خبرة كافية للتعامل مع الجراحة المعقدة بالتعاون مع بروفيسير ياباني كونها أول حالة من متبرعين أحياء

وفسر الدكتور هشام أنور، نائب مدير مستشفى عين شمس التخصصي، صعوبة العملية، قائلاً: «العملية من متبرعين أحياء وليست من متوفين»، وعلى أساس هذه النوعية من العمليات اُنشأت مستشفى عين شمس التخصصي: «المستشفى صرح طبي مجهز لأصعب العمليات»، فعلى مدار أربعة سنوات متتالية بدأت الترتيبات الخاصة بالعملية، وقبلها تجهيزات في البنية التحتية للمستشفى، اشتملت تطوير غرف العمليات ليصل عددها 15 غرفة وتطوير الرعاية المركزة، والمناظير التي تُستخدم في حالات زراعة الرئة، وأحدث الأجهزة المعقدة كالرئة الصناعي، الذي يتجاوز ثمنه ملايين الجنيهات.

«حسين»: «زرعنا الرئة الأولى بعد 75 دقيقة من استئصالها والثانية بعد مرور 3 ساعات.. وتمت وفقًا للكود الطبي العالمي»

11 ساعة استغرقتها عملية مقسمة لـ3 عمليات أولها أخذ فصين من متبرعين أحياء وزرعهما في مريضة تدعى «سحر ربيع»، من محافظة الفيوم، والتي كشف حالتها الدكتور هشام أنور في حديثه لـ«الوطن»، قائلاً: «رئة المريضة كانت متهالكة وتعيش على الأكسجين»، مؤكداً أن احتمالية حدوث أي مضاعفات محسوب ومحدود ومعروف لدينا ومفهوم جيداً، لذلك قدمنا كل الرعاية التي تحتاجها المريضة والمتبرعين، وهم حالياً في حالة مستقرة، والأمور تسير في مسار طبيعي.

وقبل إجراء عملية لـ«كامل وجمعة»، أشقاء «سحر»، خضع الإثنان لفحوصات طبية عديدة، تؤكد جميعها توافقهم تماماً مع شقيقتهم، الأمر الذي يضمن بالفعل إتمام العملية دون أي معوقات: «المتبرع يهمني إنه شخص سليم ولما أخد فص لن يُضار كثيراً ولو فيه شك 1% أنه سيُضار هعتبره غير مناسب للتبرع».

خبرة وتدريبات كافية

إتمام عملية هي الأصعب من نوعها، استلزم خبرة وتدريبات كافية، وهو ما حرصت جامعة عين شمس عليه، تحت رعاية الدكتور محمود المتيني، رئيس الجامعة، حيث سافر فريق طبي إلى اليابان ومستشفى الملك فيصل في السعودية للحصول على تدريبات كافية لإتمام عملية زراعة الرئة، والتي تمت على نفقة جامعة عين شمس.

الدكتور أحمد مصطفى، أحد أعضاء الفريق الطبي في العملية، أكد أن وجود 100 مليون نسمة بدون خدمة زراعة رئة أمر يجب الالتفاف له، خاصة مع وجود الزراعة في العديد من الدول، لأنه بالفعل هناك مرضى يعانون من تليف رئوي مثل وجود مرضى يعانوا من تليف كبدي، فالتليف الرئوي يقتل صاحبه.

وقال «مصطفى»، إن الفريق الطبي قبل أن يُجري العملية، ويمسك كل منه بأدواته اللازمة والمتخصصة فقط له، الكل اكتسب خبرة كافية تمكنه من التعامل مع حالة وعملية جراحية نادرة معقدة، خاصة بعد دخول جراحات مهمة مثل زراعات مرضى الأورام المتقدمة التي تتعامل مع الأوردة والشرايين، ليصبح هناك فريق يعمل في إطار منظومي متكامل.

تنسيق لسنوات طويلة مع اليابان الرائدة في زراعة الرئة، والتي شعر أطبائها أن مصر تُدعم برنامج الزراعة بقوة، بحسب ما أكده الدكتور أحمد مصطفى، فسافر فريق من الأطباء اشتمل على تخصصات جراحة وتخدير ورعاية مركزة وأشعة لليابان في 2020 للاطلاع على أحدث ما توصل إليه العلم في هذا الأمر، موضحًا أنه على أساس ذلك قرر بروفيسير ياباني، بحسب رأي الطب المصري، هو الأدق في مثل هذه العمليات المعقدة، التعاون مع مصر في زراعة أول حالة رئة من متبرعين أحياء، رغم رفض الجانب الياباني في البداية، إلا أن الجانب المصري قدم لهم شرحاً وافياً عن أعداد المرضى المترددين على مستشفى عين شمس وعدد العمليات التي تُجرى بالتفصيل والأرقام.

ولفت إلى الفريق الطبي بدأ إجراء العملية، التي اشتملت على 3 عمليات معاً، واحدة لـ«كامل» وأخرى لـ«جمعة»، وأخيراً «سحر»، التي كانت تعاني من فشل تنفسي وتليف في أنسجة الرئة، وضغط شريان رئوي مرتفع تماماً، فضلاً عن فشل في عضلة القلب، الأمر الذي على أساسه كانت تتحرك بـ15 لتر أكسجين في الساعة الواحدة: «سحر كانت وفق العلم والحسابات شهرين أو ثلاثة وتموت».

قياسات عديدة وحسابات قائمة على أسس علمية، أجراها الفريق، للتأكد من أن حجم الفص المتبرع به كامل والفص المتبرع به جمعة متناسب تماماً مع سحر في الحجم والوظيفة، فضلاً عن معرفة أي احتماليات قد تحدث نتيجة لذلك وأخذها في الحسبان بدقة، وأخيراً تمت الزراعة لفتاة يصل وزنها 42 كيلو وهو ما يجعل التبرع بفصين من اثنين متبرعين يكون كافياً لها.

الدكتور محمد حسين، أستاذ جراحة الصدر، مدير وحدة زراعة الرئة بجامعة عين شمس، أكد أن هناك تعاونا وتكاملا جرى بين جميع الأطراف خلال إجراء أول عملية زراعة رئة في مصر لفتاة تبلغ من العمر 28 عاما من مدينة الفيوم، والحصول على جزئي الرئة من 2 متبرعين، مضيفا أن التكامل جرى من خلال تجهيز 3 غرف عمليات متصلة بعضها البعض وقت إجراء العملية.

ووصف توقيت العملية بالـ«مهم جدا» لأن كل ما قل الوقت الذي يتم فيه نقل الفصوص كلما زادت نسبة نجاح العملية، وهو ما تمكن منه الفريق الطبي: «زرعنا الرئة الأولى بعد ساعة وربع من استئصالها والثانية بعد 3 ساعات»، هكذا قال «حسين»، مشيراً إلى أن العملية تتم وفقا للكود الطبي العالمي في عمليات زراعة الرئة.

الوقت والدقة في استئصال الفصوص، والوقت المستهدف لزراعة الرئة وتفادى أي مشكلات متوقعة، كلها أمور اتقنها الفريق الطبي، بحسب الدكتور محمد حسين، أحد أعضاءه، وعن سبب تأخر إجراء عملية زراعة الرئة من أحياء في مصر، أوضح حسين، أن السبب هو عدم وجود متبرعين، مضيفا أن 95% من عمليات زراعة الرئة في مصر من متبرعين متوفين.

وأكد أن هذه العملية هي الأولى في الشرق الأوسط التي تجرى لمترعين أحياء، مضيفًا أن مصر في أشد الحاجة حاليا إلى ضرورة تفعيل قانون زراعة الأعضاء وأن تكون من متوفى دماغيا، مضيفا أن هناك عددا من الدول العربية تفعل قانون زراعة الأعضاء من المتوفين كالكويت والعراق والإمارات والبحرين وتونس والمغرب والسعودية والأردن، موضحا أن العملية صعبة جدا والنقل من متوفين أسهل، مناشدا بضرورة أن تكون هناك توعية كاملة للمنظومة، والتبرع بالأعضاء من المتوفين حديثًا، مشيرًا إلى أن القانون الجديد يمنح التبرعات لمن يستحقها وعبر نظام إلكتروني دون تدخل بشري.

اقرأ المزيد:

عرض التعليقات