من «الناقص» إلى «المزيف»

07:09 م | الأحد 30 يونيو 2024

فى اللحظات الأخيرة من عمر الدولة الأموية كان الانهيار سريعاً.

لم تمض شهور على تولية الوليد بن يزيد الخلافة حتى قضى نحبه قتيلاً على يد ابن عمه، وقد بويع من بعده لـ«يزيد بن الوليد»، الذى كان يلقب بـ«الناقص»؛ لأنه نقص الزيادة التى كان «الوليد» زادها فى عطيات الناس، وقد خطب «يزيد» الناس -بعد بيعته- فذم «الوليد» وذكر إلحاده وأنه قتله لفعله.

ومع وصول يزيد بن الوليد إلى الحكم بدأ أمر بنى أمية فى الاضطراب وهاجت الفتن.

ولم يمكث «يزيد» فى الحكم أكثر من ستة أشهر.

وخلفه فى الحكم أخوه إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك، غير أنه لم يتم له الأمر -كما يشير ابن الأثير- فكان يسلم عليه تارة بالخلافة وتارة بالإمارة وتارة لا يسلم عليه بواحدة منهما، فمكث أربعة أشهر، وقيل سبعين يوماً، ثم سار إليه مروان بن محمد فخلعه، وكان ذلك سنة 127 هجرية.

وعلى يد مروان بن محمد كُتب سطر النهاية فى تجربة الدولة الأموية، فسرعان ما تمددت الدعوة العباسية، وتغلغلت داخل كل شبر من الدولة، إلى أن وجدها الخليفة الأموى الأخير فوق رأسه فى أحد الأيام، فهرب من الشام واتجه نحو مصر.

ينقل «ابن كثير» أن «مروان» اجتاز وهو هارب براهب فسلم عليه، ثم قال له: يا راهب هل عندك علم بالزمان؟ قال: نعم.

عندى من تلونه ألوان، قال: هل تبلغ الدنيا من الإنسان أن تجعله مملوكاً بعد أن كان مالكاً؟ قال: نعم.

قال: فكيف؟ قال: بحبه لها، وحرصه على نيل شهواتها، وتضييع الحزم، وترك انتهاز الفرص، فإن كنت تحبها فإن عبدها من أحبها.

حب الدنيا أحد الأسباب التى تؤدى إلى سقوط الأفراد وانهيار المجتمعات والدول.

فحب الدنيا يعنى أن يتمرغ الكبار فى خيراتها ظهراً لبطن، وحرمان الغالبية العظمى من أقل القليل.

كل بداية ولها نهاية، وقد وجد مروان بن محمد من يلخص له كيف تفضى البدايات الخاطئة إلى نهايات مؤسفة، ولم يكن من فعل له ذلك أكثر من خادم، جلس على رأس «مروان» وقد أحيط به وبات قاب قوسين أو أدنى من القبض عليه من جانب بنى العباس.

قال «مروان» لخادمه: ألا ترى ما نحن فيه؟ لهفى على أيدٍ ما ذكرت، ونعم ما شكرت، ودولة ما نصرت، فقال له: يا أمير المؤمنين من ترك القليل حتى يكثر، والصغير حتى يكبر، والخفى حتى يظهر، وأخّر فعل اليوم لغد، حل به أكثر من هذا.

فقال «مروان»: هذا القول أشد علىّ من فقد الخلافة. إنها باختصار الثقة الزائفة فى النفس والقدرة على السيطرة على ما يحيط بها، بصورة تدفع صاحبها إلى إهمال مستصغر الشرر وعدم إدراك أن عظيم النار يأتى منه.

مات مروان بن محمد، الملقب بـ«الحمار»، يوم 13 ذى الحجة سنة 132 هجرية، وبوفاته انتهى رسمياً عهد الدولة الأموية.