الغيبوبة والانهيار

08:27 م | الجمعة 28 يونيو 2024

بعد وفاة يزيد بن عبدالملك تولى هشام بن عبدالملك عرش الخلافة الأموية. لم تزد فترة حكم يزيد على 4 سنوات، فى حين مكث هشام فى الحكم حوالى 17 سنة كاملة، تستطيع أن تقول إن كل المسامير المتبقية لاكتمال نعش انهيار الدولة الأموية تم دقها خلالها.

أخطر ما وقع فيه هشام أنه انصرف عن الترتيبات التى يقوم بها «بنوالعباس» لإسقاط الدولة الأموية، وصرف تركيزه إلى التمكين لابنه الطائش من بعده وحبك المؤامرات ضد ولى عهده، والتخلص من معارضيه فى الداخل. لم يلتفت هشام كثيراً إلى ما يرتبه له بنو العباس فى الخارج، الذين نشط دعاتهم فى التبشير بتدشين الدولة العباسية. وقد تواصلت دعوتهم فيما بعد حتى تم القضاء على الدولة الأموية تماماً، وكان مركز الدعوة «خراسان»، وأبرز الدعاة أبومسلم الخراسانى وأبوسلمة الخلال.

منذ أن وصل إلى الحكم اتجه هشام بن عبدالملك إلى التخطيط للإطاحة بولى عهده الشرعى «الوليد بن يزيد» وتعيين ولده «مسلمة بن هشام» مكانه، ليتولى الخلافة من بعده. ويبرر بعض المؤرخين هذا التوجه بأسباب تتعلق بسلوك «يزيد» وليس برغبة هشام فى إحداث انقلاب داخل قصر الحكم، وأن الأخير أراد الإطاحة بيزيد بسبب سوء سلوكه، وعجزه عن إصلاحه، فقد ظهر لدى يزيد ميل إلى المجون وشرب الخمر، واتخذ له ندماء، فأراد هشام أن يقطعهم عنه فولاه الحج سنة 116 هجرية، فحمل معه كلاباً فى صناديق، وعمل قبة على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة، وحمل معه الخمر، وأراد أن ينصب القبة على الكعبة ويشرب فيها الخمر، فحرّمه أصحابه وقالوا: لا نأمن الناس عليك وعلينا معك. فلم يفعل.

وتقديرى أن الأمر ليس كذلك، فابن الأثير يذكر أن «هشام» خاطب الوليد فى ترك الحكم من بعده لولده «مسلمة»، لكن «يزيد» رفض، فقال له: اجعله بعدك، فأبى، فتنكر له هشام وعمل سراً فى البيعة لابنه مسلمة، فأجابه قوم إلى ذلك، ولما وصلت إليه أخبار الإطاحة به من ولاية العهد أفرط الوليد فى الشراب وطلب اللذات، فقال له هشام: ويحك يا وليد، والله ما أدرى أعلى الإسلام أنت أم لا! ما تدع شيئاً من المنكر إلا أتيته غير متحاش؟ فرد عليه يزيد: أنا على دين «أبى شاكر»، يريد التعريض بـ«مسلمة بن هشام» وكان يكنّى بـ«أبى شاكر» وأنه يشرب الخمر مثله، فغضب هشام على ابنه مسلمة، وقال له: يعيرنى الوليد بك وأنا أرشحك للخلافة!

لم تفلح محاولات هشام بن عبدالملك فى نقل الخلافة من بعده إلى ولده «مسلمة»، فما إن مات حتى استولى الوليد بن يزيد على الحكم ليستكمل سيرة الخلاعة التى ضربت الجيل الأحدث من الأسرة الأموية، وكان هو ومسلمة نموذجين عليها. وانتهى أمر الوليد بالقتل على يد ابن عمه. وكان سبب قتله -كما يقول ابن الأثير- خلاعته ومجانته، فلما ولى الخلافة تمادى فى اللهو واللذة والركوب للصيد وشرب النبيذ ومنادمة الرفاق، فثقل ذلك على رعيته وجنده وكرهوا أمره.

لقد كشف الصراع على الحكم أواخر عهد هشام بن عبدالملك عن سبب جديد من أسباب انهيار الدولة الأموية، والمتمثل فى حالة «التغييب» التى عاشها قصر الحكم عن الواقع المحيط به، بسبب الغرق فى متع الحكم وأطايبه.