المشاهد الستة الحاسمة

06:30 م | الثلاثاء 25 يونيو 2024

ستظل ثورة ٣٠ يونيو ثورة متفردة، يتفاخر بها المصريون، وتتناقلها الأجيال، جيلاً بعد جيل.. ولا يمكن تقييم هذه الثورة المباركة بمعزل عن المشاهد التى سبقتها وتلتها، لأنها تبرز وتزيد من قيمتها وعبقريتها.

المشهد الأول:

فى منتصف عام ٢٠١٢، اختطف (الإخوان المحتلون) السلطة بالخداع والتدليس والكذب -كعادتهم- رافعين الشعارات الدينية التى تُدغدغ مشاعر المصريين (المؤمنين بالفطرة).. ولمدة عام كامل استولوا على مفاصل البلد، وأقصوا كل معارضيهم من المشهد، وصنّفوهم على أنهم إما كافرون أو عملاء أو أصحاب أجندات، أو جهلاء أو فلول للنظام القديم.. وبدأوا فى التفاوض والاتفاق على بيع سيناء، وأتموا الصفقة خلال زيارة جيمى كارتر، رئيس أمريكا الأسبق، إلى مقر الإخوان بالمقطم، بعد أن التقى المرشد محمد بديع وخيرت الشاطر المرشح الأصلى للإخوان للرئاسة، الذى تم استبعاده وترشيح (الإستبن) بدلاً منه، ولكنه ظل المسيطر على الرئاسة بمباركة ودعم «بديع»، وقد تم نشر اللقاء مصوّراً فى كل الصحف.. ثم تورّط الرئيس (الإستبن) مع ٣٢ من جماعته فى قضية تخابر.. وأصدر الإخوان فى ليل يوم أغبر بشهر نوفمبر إعلاناً دستورياً مكمّلاً يجعل الرئيس ظل الله فى الأرض، يتيح له إلغاء الأحكام القضائية، ويحصّن قراراته من كل الطعون القضائية أو غير القضائية، وكأنها قرارات إلهية.. وتنبه الشعب إلى أن بلاده تحكمها جماعة، وتدير مصر من المقطم، حيث مقر مكتب المرشد العام للإخوان المسلمين، وليس من مقر رئاسة الجمهورية فى قصر الاتحادية، وتعدّدت الأزمات فى السلع التموينية ومواد الطاقة، وتكرّرت الاعتداءات على مؤسسات الدولة، خاصة القضائية، ومن أبرزها منع دخول أعضاء المحكمة الدستورية العليا إلى مقر المحكمة لمنع إصدار حكم بحل البرلمان، الذى تستحوذ على غالبيته جماعة الإخوان.

المشهد الثانى:

قبل ١١ عاماً فاض الكيل بالشعب، ولم يستجب «الإستبن» لكل الاقتراحات والحلول التى تخرج البلد من النفق المظلم الذى تسبّب فيه الإخوان ومرشدهم و«إستبنهم»، فقرّر المصريون الخروج سلمياً لإسقاط حكم من استولى على عرش مصر بالخداع والكذب والتكويش، وأراد أن يستمر «بالعافية» والتهديد بحرق البلد إذا فكر الشعب فى إسقاطه، ولكن ماذا تفعل جماعة محتلة، مع شعب له تاريخ، هزم كل أعدائه، ولا يهاب الموت ولا يعرف المستحيل.

٣٣ مليون مصرى خرجوا فى كل الشوارع والميادين والمحافظات، ولم يفعلوا ذلك فجأة أو فى السر، ولكن الموعد كان معروفاً قبلها بشهر، فمطالب الشعب كلها مشروعه، وأولها إعادة الوطن المخطوف إلى أهله، وكان واضحاً أن الشعب لن يتراجع ولن يستسلم ولن يتنازل.

كل فئات الشعب خرجت متلاحمة فى الوقت نفسه، رجالاً ونساءً وفلاحين وصعايدة وعمالاً، أمهات يحملن الرضع، الآباء يمسكون بأيدى أبنائهم الصغار، الشباب يرفعون لافتات مكتوباً عليها «يسقط حكم المرشد» وأخرى عليها صور الرئيس «الإستبن»، وعلى وجهه علامة إكس، فى مشهد زلزل العالم، لم يمسك أحد بندقية ولا عصا ولا حجراً، الكل أعزل، ولكنهم كانوا مستعدين لأى مواجهة أو تهديد من «الإخوان المحتلين». العالم و(الإخوان) لم يصدّقوا أعينهم وهم يرون الأرض تتزلزل تحت أقدام الشعب المصرى الحضارى، فلم يصطدم مواطن بآخر، أو تطأ قدم مواطن بقدم أخيه، ولم يتعثر طفل، وكأنك أمام عرض مرسوم الخطوات، وهيّأت لهم شياطينهم أن ما يرونه على شاشات الفضائيات التى كانت تنقل بثاً مباشراً حياً أنهم أمام مشهد مصنوع (جرافيك). ولكنهم كانوا أمام شعب حفر حضارته على الحجر الصوان من ٧ آلاف سنة مما يعدون.

كل ثورات العالم تقع بها خسائر مادية أو بشرية نتيجة التدافع، لكن فى هذا اليوم المشهود لم يُصب أحد بخدش من الـ٣٣ مليوناً الذين خرجوا، وفى خلفية المشهد كان هناك أبطال الجيش والشرطة يحمون الشعب، ويحمون المؤسسات، وكانوا -كعادتها- مستعدين للتضحية بأرواحهم مقابل إلا يُخدش مواطن، فهذه عقيدة جيشنا وشرطتنا، وأعداؤنا يعلمون!

المشهد الثالث:

ما بعد الثورة، يوم ٣ يوليو وقف المُخلّص الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وخلفه ممثلون عن الشعب، والأزهر، والكنيسة، وقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وممثل للشباب، وممثلون عن الأحزاب والمرأة، ليعلن خارطة المستقبل للبلد، ويُترجم مطالب الثورة عملياً وسط تأييد شعبى جارف من كل المصريين، عدا غير المصريين (الإخوان).

المشهد الرابع:

الإخوان أيقنوا أن الثورة نجحت، فبدأوا فى تنفيذ مخططهم لحرق البلد، وإدخال مصر فى حرب أهلية من منطلق (أنا فيها أو أخفيها)، وكان الفريق أول عبدالفتاح السيسى متنبّهاً لمخططهم فطلب تفويضاً لمواجهتهم، وفوضه الشعب.

المشهد الخامس:

الإخوان يعتصمون ويشلون حركة البلد، ويُضرمون النيران فى الأخضر واليابس والمساجد والكنائس، وقاموا بتنفيذ عمليات اغتيال، أبرزها اغتيال الشهيد هشام بركات، النائب العام، وكثّفوا تواصلهم مع كل الجماعات الإرهابية على مستوى العالم، فكلهم تابعون للتنظيم الدولى للإخوان، وحاولوا السيطرة على سيناء من خلال الإرهابيين الذين هرّبوهم، واستوطنوهم فى أرض الفيروز الغالية.

المشهد السادس:

رجال الجيش والشرطة العظام تصدّوا بكل قوة وشجاعة للإخوان والإرهابيين، ودحروهم، مضحين بأرواحهم فى سبيل حماية الشعب والوطن، وكانت روح ٣٠ يونيو تسيطر على المصريين، فأرشدتهم بوصلة وعيهم إلى اختيار «السيسى» لقيادة دفة السفينة وبدء مسيرة ما بعد الثورة، ولتحويل الطاقة الثورية إلى حركة نماء وانطلاق للبلد نحو المستقبل، فمصر تستحق شعبها، ويستحقها شعبها.

وانتصر الحق وانتصر الشعب، وعاد الوطن إلى حضن الشعب، الذى تحدى التحدى، وانطلق إلى آفاق المستقبل بقيادة من اختاره قائداً وزعيماً له.

هذا ملخص الحكاية التى لن نمل من تذكّرها وترديدها، ونقلها إلى أبنائنا وأحفادنا.