«لِكُلِّ شَىيءٍ قَدْراً»

07:59 م | الإثنين 24 يونيو 2024

يقول الله تعالى فى سورة الطلاق: «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْراً».. التوكل على الله جوهر من جواهر الخطوات المحسوبة فى حياة الإنسان.. ولست أظن أن هناك تناقضاً بين الحسابات العقلية للخطوات التى يخطوها الإنسان فى حياته، والتوكل على الله، فالتوكل على الله يقتضى الحساب: «اعقلها وتوكل»، والحسابات الناجحة لا بد أن تتأسس على التوكل على الله.

فالإنسان يأخذ فى حياته بكل الأسباب العقلية التى تضمن نجاح خطوة أو تجربة أو فعل معين، لكن قد يجد من علوم الله ما يعطل أو يعرقل أو يربك هذه الأسباب، وتكون النتيجة عدم التوفيق فى تحقيق الهدف.وبعيداً عن الأفكار التقليدية التى تفرق بين التوكل والتواكل، أو تدعو إلى ما يتوجب على الإنسان من عقلنة الأمور وغير ذلك، فإن الآية الكريمة تحمل معنى عميقاً يربط بين معنى التوكل والحرية.

فالآية الكريمة تربط بين التوكل على الله والاستغناء عمن عداه سبحانه وتعالى. فالإنسان الذى يسير فى الحياة مؤمناً بأن الله تعالى هو النافع الضار، وأنه مالك أيام الدنيا ويوم الدين، وأن أقدار البشر جميعاً، كبيرهم وصغيرهم، عظيمهم وضعيفهم، فى يده سبحانه وتعالى هو الإنسان الحر حرية حقيقية، فالحرية معناها ألا يخضع الإنسان لسلطان إنسان مثله، وأن يضع زمام أمره بين يدى الله تعالى، بأن يتوكل عليه حق التوكل.الإنسان الذى يعرف كيف يتوكل على الله هو أكثر البشر سعياً بحرية، وهو أكثرهم توفيقاً فى سعيه، وما أسهل أن يجنى نتائجه. فمثل هذا الإنسان يجيد فى أدائه ولا يصرفه عن التركيز فى تحقيق أهدافه أى عامل من العوامل المحيطة به، لأنه يعلم أن سعيه المتوكل على الله هو أساس نجاحه.. يقول تعالى: «وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى».. وهو يجتهد بتفاؤل وثقة فى أن الله تعالى لن يضيع جهده: «إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً».

التوكل على الله أصل الحرية، لأن الله تعالى هو مالك الأقدار، فلا رزق الإنسان، ولا نتائج عمله، ولا عمره، معلق بيد غيره، إن كل شىء فى يد الله، والمآلات كلها فى علمه تعالى، وكل أحداث الحياة تنتهى النهايات التى قدرها الله، وفى التوقيتات والآجال التى يختارها الله.. يقول تعالى: «إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْراً».

على الإنسان أن يسعى ويعمل ويتوكل، وألا يتعجل نتائج سعيه أو عمله، لأنه سيجنيها فى اللحظة التى يقدرها الله تعالى. والمؤمن لا يشترط على خالقه، بل يرضى بتصاريفه، ويعلم أن كل شىء بإذنه. العاقل من يحسب لخطواته جيداً، ويأخذ بكل الأسباب، ثم يترك الأمر لصاحب الأمر، الذى جعل لكل شىء أجلاً.