إنقاذ غزة يحتاج معجزة إلهية

07:05 م | الإثنين 10 يونيو 2024

استيقظ العالم على فاجعة استشهاد ٢١٠ فلسطينيين، كلهم أطفال ونساء، فى مخيم النصيرات وسط غزة، أعقبها خبر بثته إسرائيل عن نجاحها فى تحرير ٤ رهائن من بين ١٢٥ رهينة تحتجزهم حركة حماس، ثم إعلانها -إسرائيل- عن مقتل قائد الكتيبة التى حررت الرهائن!

وظلت إسرائيل تذيع الخبر، وكأنها حققت نصراً ساحقاً، وهو فى الحقيقة انتصار واهٍ، لم يصدقه لا الرأى العام الإسرائيلى ولا كل من سمع الخبر.

ولكن هناك معلومات حوتها العملية وظروفاً وتصريحات تزامنت معها لها دلالات تجبرنا على التوقف أمامها وتحليلها:

- إسرائيل قتلت ٢٠٠ من المدنيين الفلسطينيين لتحرير ٤ رهائن!

- إسرائيل استخدمت قوتها الغاشمة البرية والبحرية والجوية والمدفعية فى العملية.

- قوات الاحتلال استخدمت القنبلة الأمريكية الذكية عالية الدقة (جى.بى.يو ٣٩)، التى تنتجها شركة بوينج، وتزن ٢٥٠ رطلاً (١١٥ كيلوجراماً)، ويمكنها إصابة غرفة فى مبنى، ورغم ذلك خلّفت هذا العدد الكبير من الشهداء والمصابين الفلسطينيين.

- اشتراك قوات أمريكية فى العملية ميدانياً واستخباراتياً!

- فى «تل أبيب» أعلن «نتنياهو»، فى مؤتمر صحفى، أنه مستمر فى أسلوب تحرير الرهائن بالوسائل العسكرية!

- فى «باريس» أكد «بايدن» فى مؤتمر صحفى، بالاشتراك مع الرئيس الفرنسى ماكرون، فى قصر الإليزيه، عزم بلاده الاستمرار فى تحرير الرهائن، دون الإشارة إلى ضرورة وقف إطلاق النار!

- فى «واشنطن» موعد تسلُّم رد «حماس» على المبادرة التى طرحها «بايدن» لوقف الحرب وتبادل تسليم الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين!

- فى الضفة الغربية تصريح محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطينى، الذى بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط «نقلاً عن قناة العربية»، الذى قال فيه: «إن إسرائيل وحركة حماس حريصتان على تغييب السلطة الفلسطينية عن مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار»، وأضاف: «لن تجد إسرائيل ولا أحد فى العالم أى فلسطينى يمكن أن يتعاون فى أى موضوع يخص الشأن الفلسطينى بعيداً عن منظمة التحرير»،

كل ما سبق يؤكد أن:

١- الولايات المتحدة وإسرائيل غير جادتين فى وقف إطلاق النار أو تسليم الأسرى أو الانسحاب من غزة، أو السماح للجانب الفلسطينى بإدارة القطاع مرة أخرى، أو الموافقة على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

٢- إسرائيل عازمة على إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة لتنفيذ مخطط أبعد بكثير من مجرد استرداد الرهائن، ليمتد إلى إبادة الشعب الفلسطينى، وطمس الهوية الفلسطينية فى قطاع غزة بالكامل، حيث بلغ عدد الضحايا خلال ٢٤١ يوماً ١٣٠ ألف شهيد وجريح ومفقود، وتدمير القطاع معمارياً، فحتى الآن تكاليف إعادة الإعمار تبلغ ٤٠ مليار دولار، وتستغرق عمليات البناء ٨٠ عاماً.. وكل هذه الأرقام فى زيادة مضطردة كل يوم، وقد تغيرت خلال الساعات القليلة الفاصلة ما بين كتابة المقال ونشره.

٣- الانقسام الواضح بين «حماس وفتح» يؤجج الطغيان الإسرائيلى فى الأراضى المحتلة على حساب المدنيين العزل وعلى حساب القضية الفلسطينية.

٤- العالم استخدم أقصى وسائل الضغط على إسرائيل لوقف الحرب وإنفاذ المساعدات الغذائية والطبية والمعيشية دون جدوى، لأنه لا توجد إرادة عالمية مشتركة لتنفيذ قرارات المدعى العام بالمحكمة الجنائية الدولية بتوقيف «نتنياهو» ووزير دفاعه.. أو تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية بوقف الحرب فى غزة وإدخال المساعدات للمتضررين فى رفح وباقى غزة.. أو تنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية، أو تنفيذ مطالب شباب العالم بوقف الحرب فوراً التى أطلقوها فى مظاهراتهم.. أو الاستجابة لاستغاثات شعوب العالم بإنقاذ أهل غزة العزل التى صرخوا بها فى مسيراتهم.

ولو كانت هناك إرادة سياسية دولية لواجهت إسرائيل و«نتنياهو» وعصابته ما واجهته ألمانيا و«هتلر»، فى أعقاب الحرب العالمية، عندما عقدت معاهدة فرساى، وعندما قسمت ألمانيا، وحاكموا كل من شاركوا «هتلر» فى معاركه وحروبه، فى ألمانيا وخارجها، وأشهرها محاكمة نورمبرج.

٥- استخدام إسرائيل للقنبلة الأمريكية الدقيقة، وقتل هذا العدد الكبير يعنى إما أن القنبلة سيئة الصنع وهى ليست بدقيقة، أو أن إسرائيل تعمدت استخدامها بعشوائية لقتل أكبر عدد من المدنيين.

ظنى أن إسرائيل ستستمر فى سياسة «البرطعة» و«البلطجة» التى تنتهجها فى فلسطين ومع الشعب الفلسطينى، وأن «اليوم التالى» بالنسبة لقوات الاحتلال سيكون إعادة سيطرته على القطاع وسيتركون لسلطة مشتركة (ليس ضمنها حماس) إدارة معبر رفح، خوفاً من مصر.

وستنسحب وحدات الجيش تدريجياً ويتم استبدال المستوطنات بالقوات المسلحة الموجودة فى نقط التمركز الحالية، مع الاستمرار فى الضغط على أهالى غزة لتهجيرهم قسراً إلى بعض الدول الأوروبية والأفريقية، بعد الاتفاق مع هذه الدول، وستنقل إسرائيل عملياتها العسكرية والاستيطانية إلى الضفة الغربية، كل ذلك بالتزامن مع عرقلة أى محاولات لإعادة الإعمار أو إدخال مساعدات لأهل غزة -حتى بعد توقف الحرب- فهذه هى وسيلة الضغط الفعالة لدى إسرائيل لتنفيذ خطة التهجير القسرى.

لم تعد إسرائيل تخشى إطالة زمن المعركة، أو فقد المزيد من جنودها أو أبناء شعبها، فمشروع إسرائيل الكبرى هو خطة إسرائيل الآن دون النظر لأى تضحيات.

هذه ليست حالة يأس ولا تشاؤم، ولكنها قراءة مجردة لما يحدث بناء على ما نشاهده ونسمعه ونلمسه ونشعر به.

إنقاذ الشعب الفلسطينى يحتاج معجزة إلهية.