المهمة المقدسة للوزراء الجدد

05:01 ص | الخميس 04 يوليو 2024

أمام الحكومة الجديدة العديد من المهمات والمسئوليات، كل وزير حسب تخصصه، وهى مهام ليست بالهينة، خاصة أنهم سيحاسبون أمام رئيس لا يعرف أنصاف الحلول، ولا يعترف بالنوايا، ولا ينظر إلى الأحلام، بل يناقش التفاصيل، ويتابع دقة المهام، وينتظر النتائج بالدقيقة والثانية.

لكن هناك مهمة أكثر قدسية، وأشد خطراً، وأكثر جهداً، وهى مهمة سد الفراغ القاتل، وسحق اليأس الذى قد يتغلغل إلى النفوس، ومد شرايين الأمل فى قلوب المصريين، حتى لا يجد أعداء الوطن منفذاً أو ولوجاً إلى النفوس المتعبة غير الواعية.

ولعلى أتمنى أن يتذكر السادة الوزراء الجدد أن أى تهاون فى تنفيذ المهمة المقدسة سيغير مسار الدولة المصرية، فيحدث ما لا يحمد عقباه، وهو انحراف التوجه العام، وارتباك العوام، وانفجار السلم الاجتماعى، وانفتاح هويس التطرف والتزمت والإرهاب.

على مدار أكثر من 33 عاماً ظلت جماعة الإخوان وشبيهاتها، يحكمون أطراف المدن وقرى الريف فأخذت هذه المناطق تظلم رويداً رويداً حتى صارت مخفية فى عز الظهر، بمباركة سلطة قصيرة النظر، ضئيلة الأفق، ممسوحة الوعى، حكمت البلاد حتى 2011.

ولما احتلت الجماعات الريف شماله وجنوبه، تغلغلوا فى ضواحى المدن القديمة، ومدوا البسطاء بظلال من الصبغات الدينية لتمرير كل آفة كالجهل والبلطجة والاستغلال وقهر النساء والإنجاب المفرط، الذى زرع عشوائيات المدن وسحق الأراضى الزراعية بعشوائيات الريف.

وبعد اكتمال الحصار على الطبقة المتوسطة، تغلغلوا فى النقابات والجامعات وأندية التكنوقراط، وبات بناء مسجد بجوار عشرة أخرى أهم ألف مرة من بناء مصنع أو مشغل أو محلج، وبات تزويج القاصرات أكثر قدسية من التعليم، فكان طبيعياً أن من يطلق لحيته ويقصر جلبابه هو التقى والورع العالم بأمور الدنيا والدين.

هذا المجتمع الذى نخره التجهيل والتسطيح والمظاهر «الكدابة» فى 90% من ناسه ومؤسساته، كان مسرحاً مهيأً لاعتلاء مفتى الإرهاب القادم من الصحراء خشبة ميدان التحرير أملاً فى أن يصبح «خومينى» مصر.

لم ينقذ البلاد والعباد سوى الـ10% المتبقية من ناس ومؤسسات مصر، والقصة باتت معروفة؛ من الذى فرّ هارباً وقت المواجهة، ومن حمل روحه على كفه وصمد، من الذى زرع الجهل والتخلف، ومن قاومه وحاربه، من الذى قزّم البلد الكبير ليصبح على مقاس رعاة الغنم، ومن عمَّر وبنى ليعود كبيراً كما كان.

بدأت عمليات التعمير والبناء عقب 30 يونيو، لكن الدولة الحكيمة ظلت مهمومة ومشغولة بالفراغ الضخم الذى تركته جماعات الظلام، وكارثية تركه ليملأ بالمجهول ثانية.

أدركت القيادة السياسية أنها مطالبة باستبدال التجهيل بالتنوير والتخويف بالتأمين والعشوائية بالتعمير، وأن عودة مؤسسات الدولة فى كل القرى خاصة شديدة الفقر، وكل النجوع خاصة شديدة البعد، أمر مقضىّ.

كانت المبادرات الرئاسية جسر محبة وانتماء، طريق تنمية ونور، قطار خير وبر وجبر خواطر، ثم نظمت وأعلنت أهم مبادرة فى التاريخ الحديث، «حياة كريمة» مستهدفة إضاءة الجزء المظلم فى مصر، واستعادة العدالة المفقودة، والرفق الممنوع، استهدفت زرع الورد فى قلوب 58 مليون مصرى يعيشون حياة بائسة فى 4584 قرية و28 ألف (كفر أو نجع).

وفى وقت حاسم، أعادت الدولة تنظيم عمل مؤسسات المجتمع المدنى، فى التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، فلعبت الدولة بامتياز دور المايسترو الذى ظل مفقوداً طيلة 40 سنة، ودفعت شركاء التحالف لمشاركة معلوماتهم فاتضحت خريطة العمل الأهلى التنموى بشكل جلىّ، فتجاوزوا جميعاً إهدار الموارد، وارتفاع التكلفة، واستفاد أكثر منها المواطنون الأكثر احتياجاً.

ملأت «حياة كريمة» والتحالف الوطنى الفراغ الذى سبق واستغله المتطرفون لتفجير مصر، فتحول من قنبلة موقوتة، إلى مساحة إبداع، وتنافس شريف وعمل وجهد لرفعة البلاد وجبر خاطر البسطاء.

لذا فكل وزير جديد عليه أن يعلم أنه يقف على ثغر خطير لهذا البلد، فإرضاء المواطن هدف، توفير احتياجات المواطن هدف، إحساس الأمان لدى المواطن هدف.

ما جرى سده وملؤه يجب أن يستكمل، سد حماية المواطنين من الوقوع فى فخ وكمين الأعداء؛ يجب أن يتحول إلى سد عالٍ كبير.

فنحن بقدر ما بذل خلال عشر سنوات من جهد وعمل، لن نقبل من حضراتكم سوى مزيد من الجهد والعمل، أو هكذا ينتظر منكم المصريون، وقائدهم.