المهزلة الأمريكية في المناظرة الرئاسية

05:02 ص | الخميس 04 يوليو 2024

منذ أيام أقيمت مناظرة بين مرشحى الرئاسة الأمريكية جو بايدن ودونالد ترامب كان أقل ما توصف به هو المهزلة، حيث لم يتبادل المرشحان الخطط أو الرؤى أو البرامج وإنما تبادلا الشتائم والإهانات والاتهامات المخزية، التى مرغت هيبة الولايات المتحدة الأمريكية فى التراب.

غريب هو المشهد السياسى الأمريكى الآن، فهو يناقض كل ما تم تصديره لنا وللعالم كله على مدى عقود، كان العنوان الأهم فيه الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومدى قوة المؤسسات الديمقراطية فى الولايات المتحدة حيث عمادها الشباب، الذى تأسس على قواعد الديمقراطية الغربية، التى تمنى كل الأحرار فى العالم لو انتقلت إلى بلادهم.

باسم كل هذه القيم والمعانى النبيلة تدخلت الولايات فى شئون كل بلاد العالم، وباسم حقوق الإنسان وضعت أنفها فى كل مكان، وباسم المستقبل للشباب وحقه فى الحكم وإيجاد نظرة متجددة لمستقبل الدول، فرضت الولايات المتحدة سيطرتها على دول كثيرة، كان أهمها ما صدرته إلى العالم العربى من فوضى، وما سبقها مما أسمته خريطة شرق أوسط جديد، ونشر فوضى خلاقة لإعادة تشكيل المجتمعات الديمقراطية التى تنشدها الولايات المتحدة الأمريكية وترى أنها الأصلح فى بناء المجتمعات والعالم الجديد.

ثم نرى الآن ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية من واقع يناقض كل ما نادت به وفرضته على غيرها من الدول العربية وغير العربية، ولعل ما تشهده مقدمات انتخابات الرئاسة الأمريكية من مهازل اتضح فى المناظرة الأخيرة، والذى يحطم كل الشعارات القديمة التى صدَّرتها أمريكا لكل دول العالم، وتدخلت عن طريق استخدام هذه الشعارات فى شئون تلك الدول سواء عن طريق الدبلوماسية حيناً وعن طريق القوة حيناً آخر.

فالولايات المتحدة ذات الخمسين ولاية، والتى تجاوز عدد سكانها المائتين وأربعين مليون نسمة، والتى تأسست على دستور يقوم على الحرية والديمقراطية، والتى تملك أقوى حزبين فى العالم وهما الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى، إضافة لعدد آخر من الأحزاب الصغيرة - رغم كل هذا لم تجد لديها سوى اثنين ممن تقدموا فى السن إلى الدرجة التى أفقدت الولايات المتحدة هيبتها وتكاد تفقدها مكانتها بسبب ما نراه من أداء هزلى للرجلين!

أما الأول فهو الرئيس الحالى جو بايدن الذى لا يصلح حتى لإدارة دار مسنين، لا يعرف ما يقول ولا ماذا يفعل ولا يقوى إنسانياً بحكم سنه الذى تجاوز الثمانين بعامين على بذل الحد الأدنى من الجهد الذى يجب على أى رئيس بذله من أجل القيام بمسئوليته، حتى إنه أصبح صيداً سهلاً للإعلام الذى يتصيد سقطاته اللفظية والبدنية مصحوبة بالسخرية منه ومن بلده، وهو ما يعنى أن هناك من يريد أن يظل رئيسهم هكذا مجرد واجهة.

بينما هناك آخرون يحكمون من ورائه، حتى لو كانت هيبة بلدهم هى الثمن! أو أن الحزب الديمقراطى بكل قوته وتاريخه ليس لديه رجل واحد يصلح للحكم، بينما هو نفس هذا الحزب من صدّر لنا ولغيرنا من الدول العربية أكذوبة الربيع العربى، ونادى بحق الشباب فى تولى الحكم، وقد رأينا من المهازل الكثير ممن يصلح ومن لا يصلح ولا يملك الخبرة.

أما المرشح الثانى، وهو رجل الأعمال والملياردير الأمريكى دونالد ترامب، الرئيس السابق للولايات المتحدة فى الفترة من ٢٠١٧ حتى ٢٠٢١، والذى يقترب هو الآخر من عامه الثمانين، ممثلاً للحزب الجمهورى، أو لليمين المتشدد فى الحزب، والمتهم فى عدد من قضايا التزوير، وقد اشتهر بعدائه للمهاجرين، ودعا لوقف هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة كما دعا لإعادة احتلال العراق، وكان أسوأ ما قام به فور توليه الرئاسة أنه عمل على اعتراف الولايات المتحدة رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل فى ٦ ديسمبر ٢٠١٧.

كل هذا إضافة لمهزلة تلك المناظرة يعنى أن فوز أحدهما فى كل الأحوال هو كارثة محققة على الولايات المتحدة وعلى العالم كله، فمن المؤكد أن القوى الكبرى المتمثلة فى الولايات المتحدة الأمريكية من مصلحة العالم كله أن يحكمها رئيس واعٍ عاقل يدرك خطورة منصبه، لكن لو استمر السباق الرئاسى الأمريكى على هذا المنوال فلنبشر بفترة قادمة أكثر هزلاً.