30 يونيو.. صرخة الثقافة تُطلِق ثورة التنوير

07:01 م | الأحد 23 يونيو 2024

الترقب وتوتر الأعصاب كان سيد الموقف، لكن الأمل بدا أكبر من كل شىء.. من كل الأحداث المتتالية وهى تسطر حروف النور فى سجل حضارة «بهية» يوم 30 يونيو 2013. الرهان على الوعى العام بالتأكيد جاءت نتائجه لصالح الشعب المصرى.

أوائل شهر يونيو استقبل المثقفون، الإعلاميون، الصحفيون، الخبر المشئوم بتعيين شخص علاقته بالثقافة لا تتجاوز المعرفة باللغة الصينية! موقف شجاع اتخذ فوراً من كبار مثقفينا وأدبائنا ومبدعينا بدخول نخبة من هذه القمم مبنى وزارة الثقافة لمقابلة هذا الشخص والبقاء داخل المكتب بحجة انتظاره، ثم يتوافد مثقفون آخرون، ويزيد التجمع ليبدأ إعلان الاعتصام، وبدأ فعلاً انضمامنا بالتوالى.

تتعالى أجواء الحماس والإصرار مع ازدياد انضمام قمم مصر، سواء الثقافية أو من القوى الناعمة، الإعلام، الصحافة. داخل الاعتصام كان الشباب يمد كل من يرغب باستمارات تمرد ليعودوا بها بعد توقيع كل من نقابله فى الشارع.

غالباً ما يسبق ترحيبهم بالتوقيع فوراً نظرات التعاطف وهى ترمق قمصان تمرد التى لازمت أجسادنا طوال الشهر.. والسؤال لا يتغير «أنتم مش خايفين منهم».

المشاهد ما زالت محفورة فى الذاكرة، كل لقطة ترصد عزيمة المعتصمين وإصرارهم على إزاحة عصابة من أعداء الحياة والتنوير تلوثت أيديها بدماء الأبرياء من الشعب المصرى.

ذات يوم فوجئنا بهجوم من أفراد الجماعة الإرهابية على رأسهم ممدوح إسماعيل وصبى خيرت الشاطر أحمد مغير فى محاولة ترهيب خائبة واقتحام وزارة الثقافة.

فشل الهجوم بهروب الجموع الإرهابية ونحن نملأ شرفة الوزارة تعلو أصواتنا خلف المطربة عزة بلبع بأغنية «يا حبيبتى يا مصر» فى تأكيد على أن إيماننا بإنقاذ مصر من أيدى جماعة إرهابية هو أقوى من كل محاولاتهم الدنيئة.

إذ نجح شباب الوزارة فى صد الهجوم وانسحبت الكتائب الإخوانية تجر أذيال الفشل.

كان الجميع يؤدى كل المهام بروح الوحدة والإصرار، حتى أولويات تمريض جروح شباب الوزارة نتيجة الاعتداء علينا بقنابل المولوتوف والأسلحة البيضاء.

رسائل التنوير كان لا بد من اكتمال ملامحها كى تنتقل الشرارة إلى التواصل مع الشارع المصرى.

نشاط ثقافى تنوع بين تشكيل جبهة الدفاع عن الإبداع، إقامة معارض فنون تشكيلية ورسوم للأطفال.. مسرح كبير أمام الوزارة شهد يومياً أمسية فنية تسابق على المشاركة فيها كبار نجوم الغناء وفرق الأوبرا المختلفة.

الآلاف من مختلف الأعمار يتجمعون كل مساء لترديد الأغانى الوطنية، فى مشهد تعجز الكلمات عن وصفه، يؤكد العهد على انتمائهم لمصر الحضارة والتسامح.

هذه المشاركة نقلت الاعتصام إلى حالة شعبية ودعم معنوى كبير، ساعد على الصمود كل هذه الفترة.

تميز الحالة النادرة التى أضاءت مصر يوم 30 يونيو بكل المشاعر المتدفقة.. اللحظات الفاصلة.. التلاحم الصلب بين كل فئات الشعب، بالتأكيد وهى تبلغ 10 أعوام من عمرها لا يمكن تصور أن تخبو إشراقتها مهما بلغ مرور السنين على ذكراها ولن تتمكن كل تجاعيد الزمن من التسلل إلى ملامح المشهد الحضارى الذى غمر كل شبر فى أرض مصر.

لحظة فارقة فى تاريخ مصر المعاصر حين انتزع الشعب من جسدها الطاهر مخالب الظلام واستعادت مصر سريعاً المكانة التى تليق بها عربياً، إقليمياً، دولياً، حين ترجم كل مصرى ومصرية مشاعر الخوف والتوجس إلى موقف إيجابى.

لم يعن أحد حجم المساهمة بقدر ما أصبح التوجه العام هو المشاركة بأى مظهر من مظاهر التعبير عن قوة الإرادة الموحدة التى لم تنكسر حتى أمام عنف وتهديدات جماعة إرهابية.

أكثر المظاهر رقياً فى اعتصام وزارة الثقافة أن كل فرد جند نفسه فى إطلاق الشرارة الأولى فى ثورة التمسك بالهوية المصرية.

كان وهم أخونة الثقافة هو المسمار النافذ فى نعش الجماعة الظلامية، حين هرع كل المنتمين إلى القوة الناعمة والإعلام المقروء والمرئى إلى المبنى بعد إعلان الاعتصام دون أى مراجعة، فقط مدفوعين باستشعارهم حتمية مواجهة فصيل فاشى يسعى إلى طمس الموروث الثقافى والإبداع العريق.

لم تعد المهمة فقط وقوف الفنانين أمام الكاميرا أو المسرح ولا سلاح مثقف أو الكاتب الكلمة، لكن الاختيار كان القيام بالمبادرة وإطلاق الشرارة التى أضاءت الطريق أمام كل الطوائف والفئات الأخرى وحفزت الشعب بدون استثناء.

اعتصام وزارة الثقافة الذى جمع كل القوة الناعمة كتب بصموده الجملة الأولى فى سجل ثورة 30 يونيو.. بدأ بمنع الشخص الذى اختاره محمد مرسى لوزارة الثقافة والمطالبة برحيله، لكن مع التفاف الشعب حول قمم القوة الناعمة، تلاحم الهدف بين المعتصمين والشارع للمطالبة برحيل جماعة الإخوان الإرهابية.

صرخة التنوير التى أطلقها المثقفون ضد الظلامية والإرهاب مهدت الطريق أمام تغييرات على كافة الأصعدة.. ساهمت بعدما أعادت مصر إلى الطريق الصحيح فى بناء دولة عصرية ونجحت على أرض الواقع فى إيصال رسالتها إلى العالم، مؤكدة قدرة المصريين على تحويل المحنة إلى منحة.