«المطبخ».. بين جولدا مائير ونتنياهو

08:19 م | الثلاثاء 18 يونيو 2024

هل يعيد التاريخ نفسه وتلقى إسرائيل هزيمة مدوية أمام المقاومة الفلسطينية تعيد إلى الأذهان هزيمتهم المنكرة فى حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣؟

هذا السؤال قفز إلى ذهنى وأنا أرى نتنياهو يسير على خُطى جولدا مائير نفسها، ويصدر قراراً بحل مجلس الحرب وإنشاء هيئة بديلة أطلق عليها «المطبخ»، وهو التصرف نفسه الذى أقدمت عليه جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية عندما قامت بحل مجلس الحرب وشكّلت «مجلس وزارى مصغر» لإدارة حرب أكتوبر ضد الجيش المصرى أطلقت عليه «المطبخ»، لأنها كانت تعقد جلساته داخل مطبخ منزلها فى تل أبيب.. وأنها عقدت ١٧ جلسة لمجلس المطبخ انتهت بأكبر هزيمة عسكرية مدوية لجيش إسرائيل، الذى ردّدوا مراراً وتكراراً أنه الجيش الذى لن يُقهر!!

ندعو الله أن يحدث ذلك، وأن تنهزم إسرائيل هزيمة مدوية، لكن علينا الآن أن نقرأ المشهد فى ضوء المعطيات المتاحة.

فما بين حل مجلس الحرب الإسرائيلى وإنشاء مطبخ وزارى تشاورى بديلاً له، يعيش العالم والشأن الداخلى الإسرائيلى حالة من الترقّب، فى ظل تصاعد المظاهرات المطالبة بإقالة نتنياهو، بل ومحاكمته وإجراء انتخابات مبكرة، بعد فشله فى تحقيق أهداف الحرب باستعادة الأسرى أو القضاء على حماس.

قبل يومين عقد مجلس الحرب الإسرائيلى اجتماعاً لأول مرة دون الوزيرين بينى جانتس المنتمى إلى تيار الوسط، وغادى آيزنكوت، اللذين أعلنا استقالتهما من حكومة الطوارئ فى اليوم نفسه، داعين نتنياهو إلى إجراء انتخابات فى أسرع وقت ممكن.. نتنياهو اتخذ قرار حل مجلس الحرب بعد طلب الوزيرين اليمينيين المتطرفين إيتمار بن غافير وزير الأمن القومى، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، الانضمام إلى مجلس الحرب بعد استقالة جانتس وغادى.

ولمن لا يعلم، فإن مجلس الحرب الإسرائيلى يُعد هيئة سياسية وأمنية معنية باتخاذ القرارات السياسية فى وقت الحرب.

وتم تشكيله فى أعقاب حرب غزة فى أكتوبر الماضى، ويضم كلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف جالانت، ورئيس هيئة الأركان السابق بينى جانتس.

كما يضم، بصفة مراقب، قائد الأركان السابق، غادى آيزنكوت، ووزير الشئون الاستراتيجية، رون ديرمر.

ويدير المجلس العلميات العسكرية فى غزة، فهو الجهة التى تدير الحرب بطريقة عملية، ويوافق المجلس الوزارى على معظم توصيات وقرارات مجلس الحرب.

وكان مجلس الحرب قد أعلن فى البداية أن هدف خوض الحرب فى غزة القضاء على حركة حماس، وتحرير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس.

وطوال فترة الحرب شهد المجلس خلافات تعكس صراعاً على النفوذ بين نتنياهو والجنرالين جالانت وجانتس، ويمثل الثلاثة معاً ثقل القرار الذى يحدّد المشهد السياسى فى إسرائيل.

نشب الخلاف بين نتنياهو وجالانت بشأن اليوم التالى، وهو إدارة غزة بعد الحرب، إذ يرفض جالانت إدارة إسرائيل للقطاع، بينما يطالب نتنياهو بأن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الكاملة على القطاع، إذا حققت هدف الحرب المتمثل فى تفكيك حماس، كما رفض مقترحات تدعو إلى عودة السلطة الفلسطينية المدعومة دولياً إلى غزة بعد الحرب، متهماً إياها بمعاداة إسرائيل.

وبهذا واجه نتنياهو تحدياً علنياً من جالانت فى ما يتعلق بخطة ما بعد الحرب فى قطاع غزة، وأعرب جانتس عن دعمه لمعارضة جالانت ورد نتنياهو عليهما فى تسجيل مصوّر نُشر على مواقع التواصل الاجتماعى بأنه غير مستعد لاستبدال «حماستان بفتحستان»، فى إشارة إلى السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن نتنياهو يتعرّض لضغوط متزايدة من حلفائه المتطرفين الذين هدّدوا بالاستقالة من الحكومة إذا مضى قدماً فى مقترح هدنة وتبادل أسرى أعلنه الرئيس الأمريكى جو بايدن الشهر الماضى.

وشدّد شريكا نتنياهو اليمينيان المتطرفان فى الائتلاف، وزير الأمن القومى، إيتمار بن غافير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، على أنه لا ينبغى للحكومة إبرام أى اتفاق ومواصلة الحرب حتى يتم تحقيق الهدف النهائى المتمثل فى تدمير حماس.

فى اللحظة نفسها التى قرر فيها نتنياهو حل مجلس الحرب أعلن أنه سيُشكل مجلساً جديداً باسم «المطبخ الصغير».. ووفقاً لصحيفة هآرتس الإسرائيلية فإن المجلس التشاورى المصغر، الذى سيتخذ فيه نتنياهو القرارات الحساسة، سيتكون منه كرئيس للوزراء ومن وزير الحرب جالانت ووزير الشئون الاستراتيجية دريمر، ورئيس مجلس الأمن القومى تساحى هنغبى، ومن رئيس حركة شاس أرييه درعى، على أن تتم إحالة القرارات المصيرية إلى مجلس الوزراء الإسرائيلى «الكابينت السياسى والأمنى»، للتصويت وبحث أى خطوات مصيرية.

وعن سبب تسمية هذا المجلس الاستشارى بالمطبخ، أكدت الصحافة الإسرائيلية أن أول ظهور لهيئة المطبخ بشكل أساسى فى إسرائيل كان إبان حرب أكتوبر المجيدة عندما دعت رئيسة الوزراء آنذاك جولدا مائير مجموعة من الوزراء وخبراء الأمن والسياسيين للاستشارة وتبادل الآراء. وأطلقت على هذه الهيئة لفظ «المطبخ السياسى»، نظراً لأن اجتماعات تلك المجموعة كانت تُعقد فى مطبخ منزلها الخاص!

‎وخلال حرب أكتوبر، اجتمعت هذه الهيئة ١٧ مرة للتباحث فى كل ما له علاقة بالحرب وإدارتها.. وذهبت بعض الدوائر السياسية إلى أن نتنياهو قام بحل مجلس الحرب، ولجأ إلى المطبخ الصغير لكى يكون القرار بيده.

‎والسؤال، هل تغرب شمس نتنياهو فى ظل المظاهرات الحاشدة بالشارع الإسرائيلى؟

‎نعم قد يحدث ذلك فى ظل الإخفاقات الكبيرة فى الحرب على قطاع غزة، وفى ظل ارتفاع صوت المعارضة الإسرائيلية التى أعلن زعيمها يائير لابيد أن حكومة نتنياهو الحالية تقوّض أمن الدولة، وأن رئيس الوزراء يبيع الجنود الإسرائيليين فى ٧ أكتوبر، فى ظل الحرب المستمرة فى قطاع غزة.. لابيد قال لوسائل الإعلام الإسرائيلية: نتنياهو يعلم أنه قد انتهى، وأن الشىء الوحيد الذى سنذكره عنه هو فضيحة.