«30 يونيو».. خصومة الجماعة الإرهابية الفاحشة مع الشعب

07:21 م | الإثنين 17 يونيو 2024

قد تستطيع جماعة أو تنظيم استغلال الوازع الدينى فى الشخصية المصرية لبعض الوقت فى سبيل تحقيق أهدافها، أما المستحيل فهو التلاعب على مكون النسيج الفطرى عبر خداع وعى وفطنة الشعب طوال الوقت.

إدراك الشارع سريعاً أن الهدف الذى سعت إليه جماعة الإخوان الإرهابية منذ تأسيسها حانت فرصته بعد يناير 2011.. ليبدأ مخطط الاستحواذ على المشهد السياسى عبر بوابة الدين، حتى وصل الأمر إلى نشر دعاوى خطيرة تنذر بالانقسام مفادها كونهم الفئة التى تمثل الإسلام والدين، بينما أى صوت يجرؤ على المعارضة أو الفهم مكانه خندق الكفار العلمانيين!

نهم جماعة الإخوان الإرهابية إلى السلطة وتفردهم بكل مقاليدها كشف عن بشاعة وقبح المظاهر التى سعت إلى فرضها بالإكراه على الشارع المصرى لتعلن انتهازية الجماعة الإرهابية عن نفسها بشكل صارخ وبأعلى الأصوات.

اقتلاع «بهية» من جذورها الطيبة السمحة كان رهاناً خائباً، إذ مهما بلغت ترسانة أسلحة ووحشية كتائب الجماعة الإرهابية، استدعاء التنظيمات التكفيرية من سائر دول العالم لتدنيس أرض سيناء الطاهرة، لم تفلح كلها فى تغيير أو تقسيم النسيج الاجتماعى للكتلة الشعبية الواحدة، فالشعوب حينما تنتفض لا يمكن أن يقف أمامها عائق.

تواصلت أخطاء الجماعة الإرهابية مع ترسيخ أكذوبة تمييز الجماعة عن المجتمع كونها الفئة المسلمة الوحيدة وحصر الإسلام الصحيح على أفرادها دون الآخرين.. ما دفعها إلى تفعيل إقصاء ممنهج لمكونات الطبقة السياسية والصفوة المثقفة، بالتالى لفظها الشعب حين اختارت الخروج من معادلة المواطنة. عدم تقدير الجماعة للمكانة التى يحظى بها الوطن لدى الوعى العام عزز من سرعة سقوط الأقنعة عن وجهها القبيح.

الجماعة الإرهابية لم تراهن يوماً على الشعوب، بل على التنظيمات.. هى عجزت عن جمع جماهير تؤمن بأفكارها فاعتمدت على أتباع خاضعين يدينون لمؤسس الجماعة الإرهابية حسن البنا بالطاعة العمياء، وبالطبع كان هجومهم على العقيدة الوطنية حافلاً منذ تاريخ التأسيس، بدأ فيما ورد ضمن رسائل البنا «دعوتنا»: «الوطنية هى أحد أسباب تشرذم الأمة إلى طوائف متناحرة متقاتلة».

من النماذج الصارخة لتعمد الجماعة اختراق الصف الوطنى مهزلة الاحتفال «الموازى» الذى صدم المصريين بهدف إفشال احتفالهم بنصر أكتوبر فى ذكراه الأربعينية. الهدف كان واضحاً أمام الشارع المصرى، نقض المناسبة الوطنية وإحداث شرخ بها لإظهار الشارع منقسماً على نفسه أمام العالم، كما حدث فيما بعد عند خلق الجماعة الإرهابية بؤر تجمع مسلح فى منطقتى ميدان الشهيد هشام بركات والنهضة فى مخطط شيطانى لإقامة دولة موازية داخل الدولة.

خلال مدة لم تتجاوز الشهور القليلة، أصابت الجماعة الإرهابية حالة عمى عن إدراك واستيعاب حجم وطبيعة الخصومة التى تراكمت مع الشارع المصرى، وانهمك حكم الإخوان على مدار عام فى خلق حالة من الاستقطاب الحاد.

اعتماد حساباتهم الشيطانية على فرضية خنوع المصريين وقبولهم الأمر الواقع بالتأكيد كان أبعد ما يكون عن الفهم العميق للشخصية المصرية.

فى ظلام النهم إلى التمكين من السلطة عجزوا عن استشراف شمس إشراقة يوم 30 يونيو مع أن بشائرها كانت واضحة.

مراجعة الوقائع تؤكد أن الخلل فى حساباتهم هو افتقاد الجماعة الإرهابية لأى مشروع أو رؤية سياسية تشكل أسس قياس نبض الشارع وتوجهاته.

بالتالى لم يكن الفشل مفاجأة بعدما أثبتت تجربة الإخوان عجزهم عن إدارة بقالة صغيرة. مصر الدولة المؤثرة والعريقة فى التاريخ لا يمكن بأية حال تقزيمها إلى شبه دولة تدار من «مكتب إرشاد» تدبر داخل جدرانه المؤامرات والدسائس.

اكتمل المشهد مع حضور العقل.. توحَّد الوعى والمشاعر دعماً للإرادة الشعبية من الجيش والشرطة، ليثبت صدق عبارة وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبدالفتاح السيسى حين رد ثائراً فى وجه تهديد خيرت الشاطر: «لو رفعتم السلاح ضد الشعب والجيش لن تقوم لكم قائمة ولو بعد 50 عاماً» لتأتى لحظة انحياز الشعب لوطنه.. كرامته.. قدسية أرضه التى استعادها بقوته السلمية بعد طرد تنظيم عصابى تستر خلف شعارات دينية لأكثر من تسعة عقود.

بعد تكشُّف الكثير من الحقائق والمواقف لم يعد خافياً فى يقين المواطن البسيط أن نجاحه فى استعادة الوطن لم يقتصر على المحيط الداخلى، لأن خلخلة استقرار مصر كانت أيضاً مدفوعة من دول وأطراف دولية تحت زعم مسمى غريب هو «الإسلام السياسى» لم يرد ضمن قواعد يؤسس لها أى بناء سياسى قائم على مشاركة جميع الأطياف والرؤى طالما كانت تصب فى الصالح الوطنى.

إذ تعرضت بعد 30 يونيو لضغوط سياسية واقتصادية بهدف كسر إرادة شعبها، بل ما زالت هذه الضغوط تمارس عبر مسارات مختلفة، لكن إصرار القيادة السياسية والشعب نجحا فى كبح جماح وإفشال هذه المؤامرات التى كانت تحاك لتفكيك مصر وخلق فوضى خلاقة.. 30 يونيو هو اليوم الذى أعاد مصر للمصريين وإلى دورها المحورى فى المنطقة العربية، كما قدر لها التاريخ دائماً هو ليس مجرد يوم نحتفل فيه لكنه واقع جديد قدم أبلغ الدروس لدول وأطراف نجحت للأسف فى زعزعة استقرار وأمن بعض دول المنطقة.

هو حالة استثنائية توقف فيها العالم عن أى محاولة للمساس بصلابة نسيج هذا الوطن.