هل أنتم شركاء جادون حقا؟

07:25 م | الجمعة 07 يونيو 2024

أى مسار تفاوضى يكتسب جديته من رغبة الأطراف فى التوصل إلى حلول جادة وفعالة تضع حداً لأى أزمة مهما كانت طبيعتها.. سياسية، أمنية، اقتصادية. فى الحرب الدائرة على أرض فلسطين، اتسم الموقف المصرى منذ البداية حتى اللحظة الحالية بسمات أربع واضحة.. الثبات، القوة، الحكمة، الفاعلية.

مسارات التزمت بالدور الأساسى الذى اضطلعت به مصر عبر تاريخ القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الشراكة مع المجتمع الدولى وأمريكا للوصول إلى التهدئة واحتواء الصراع المسلح.

كما يؤكد التاريخ أن دور المفاوض المصرى هو دائماً الحاسم فى إنجاح هذه المهمات. على الطرف الآخر ورغم كل التصريحات الصادرة عن الجانب الأمريكى حول أهمية التحالف مع مصر فى ملف التوصل إلى تهدئة شاملة تضع حداً للاعتداء الصهيونى الوحشى على قطاعى غزة ورفح الفلسطينية.

ظلت الأوراق الأمريكية تدور داخل حلقات مفرغة بين المماطلة والمراوغة. جولات كبار مسئولى الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط منذ البداية كان فحواها إما مساومة دول عربية لعقد اتفاقيات تطبيع مع الكيان الصهيونى مقابل وقف الاعتداءات على رفح الفلسطينية أو وعود مبهمة لا ضامن موثوق لها مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.

حل الدولتين الذى أصبح مطلباً دولياً هو مجرد صيغة تقليدية يكررها مسئولو الإدارة الأمريكية أملاً أن تصلح بعض تشوهات وقبح ازدواج المعايير والتلاعب بالألفاظ.

جدية مصر جعلتها القبلة التى جمعت قادة ورؤساء دول العالم منذ 7 أكتوبر الماضى، إذ ظل موقفها ثابتاً معلنة استعدادها للتعاون مع أمريكا والمجموعة الأوروبية حول حلول حاسمة للقضية الفلسطينية والالتزام بالاتفاقات الدولية مع إسرائيل.

لكن غضب مصر من الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى وتصاعد شحنة هذا الغضب أمام محاولات الجانب الإسرائيلى استفزاز مصر وأوهام المساس بأمنها القومى، وفق هذيان كتل اليمين المتطرف الإسرائيلى، ما كشف عن جهل مطبق عن القرار المصرى على صعيد القيادة السياسية والشعب تجاه القضايا التى تمس الأمن القومى المصرى.

أمام مسار طويل وصعب من الحكمة والصبر يبرز السؤال هنا من هو الشريك الدولى الجاد لمصر فى هذا المسار.. إسرائيل بكل جموحها وانقساماتها السياسية وتخبطها الأمنى، أم أمريكا التى عكست كل تصريحاتها انحيازاً تاماً لكل الجرائم الدولية التى ارتكبتها إسرائيل، حتى إن المبادرات السابقة التى طرحتها لم تكن على مستوى جدية الجهود المصرية وتمسكها بالحل الجذرى الوحيد الذى يكفل استقرار منطقة الشرق الأوسط بل السلام الدولى.. حل الدولتين وفق قرار مجلس الأمن 242 عام 1967.

المقترح الذى أعلن عنه الرئيس الأمريكى بايدن الأسبوع الماضى، رغم عدم تضمنه قيام دولة فلسطينية أو اتفاق الأحزاب اليمينية الإسرائيلية حوله، مع دعوة المقترح فى مراحله الثلاث إلى وقف إطلاق النار، إلا أن هذا الطرح الذى دعمه بيان مصرى قطرى يقترب بما يتضمنه من جميع مطالب الأطراف.

إلا أن أمريكا لا يمكن أن يتقلص دورها كشريك فى إيجاد حل للقضية الفلسطينية عند هذه المرحلة مع الاعتراف بأهميتها فى تحقيق التهدئة، لكنها لا تتعمق إلى الحل الضامن للسلام. جدية وثبات هذا الهدف فى المسار المصرى تقابله من الطرف الأمريكى تصريحات مبهمة تخلو من جدول أعمال محدد للوصول إلى الحلول المطلوبة.

هنا لا بد أن تفرض الأسئلة نفسها للطرف الأخير، هل تريدون مصر شريكاً حقاً؟ وهل أنتم كقوة دولية شركاء جادون فعلاً فى إرساء السلام فى المنطقة؟

موقفان لمصر خلال الأسابيع الماضية، الأول الترحيب بدعوة الرئيس الصينى شى جين بينج إلى عقد مؤتمر سلام دولى لحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، إذ يفتح الاتجاه شرقاً آفاقاً جديدة تعزز عودة القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام الدولى.

الثانى تمسك مصر بالانسحاب الإسرائيلى من معبر رفح الفلسطينى، مؤكدة أن المعبر لن يفتح إلا إذا كان الفلسطينيون على رأس المعبر، فى رفض قاطع لأى تغيير يمس الشرعية الفلسطينية على هذه المنطقة، ما دعا إلى عقد اجتماع مصرى أمريكى إسرائيلى فى القاهرة مع إعلان إسرائيل عزمها سحب قواتها من رفح الفلسطينية.

كلا الموقفين يمثلان نموذجاً لحكمة إدارة ملف الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.. مواقف لها دلالاتها ورسالاتها الواضحة والمدعومة بقوة من قيادة مصر السياسية وجيشها.