قول آخر في مسألة الدعم.. التعليق المؤقت الاختياري

07:17 م | الجمعة 31 مايو 2024

لا يختلف عاقلان على أن دعم رغيف الخبز أحد مقدسات الشعب المصرى، مثلها مثل مكانة القوات المسلحة، وكراهية الصهاينة. السبب الرئيسى فى قدسية «الدعم» هو خشية حكومات عديدة سابقة من الاقتراب من تحريك سعر الرغيف.

موروث «الخوف» قد يرجعه البعض لأحداث 1977 عندما فعلها الرئيس السادات فى وقت كانت فيه المفاوضات جارية مع إسرائيل، فخرج اليسار و«ركب» الشارع وأحدث ما أحدث من احتجاج، خرج عن السلمية فى بعض صوره.

«الخوف» لم يكن نتيجة الاحتجاجات، بل نتيجة تراجع الرئيس الراحل عن قراراته، فغرس الخشية من الاقتراب من سعر الرغيف، حتى لو كان هذا الأمر قد يودى بالبلاد وقبلهم العباد مورد التهلكة، نظراً لضخامة مبلغ الدعم الإجمالى البالغ 600 مليار جنيه.

هنا أفرق بين أكثر من أمر:

الأول: أن عدد المستفيدين من دعم الرغيف 71 مليون مواطن، فى حين أن المستفيدين من دعم المواد التموينية 60 مليوناً فقط، ما يعنى أن 11 مليون مواطن خرجوا من منظومة دعم المواد التموينية (وهى الحصة الأكبر من الدعم) فى حين أنهم يحصلون على دعم الرغيف (وهى الحصة الأصغر).

مثال: كل ثلاثة أفراد لديهم 50 جنيهاً شهرياً دعماً للرغيف مقابل 150 جنيهاً دعماً للمواد التموينية.

الثانى: حاولت الحكومة تنقية قوائم المستفيدين من الدعم قبل سنوات، لكنها وقعت فى فخ التفاصيل، عندما اكتشفت أن بعضاً ممن هم غير قادرين على دفع فواتير الكهرباء لمدة تصل لثلاثة أشهر جاءتهم الفاتورة الأخيرة بمبلغ تجاوز الألف جنيه، فخرجوا من منظومة الدعم لاعتبار أنهم يستهلكون كهرباء فى الشهر الواحد بقيمة تجاوزت ألف جنيه، كأحد محددات تنقيح القوائم التى وضعت.

لذا فإن القرارات المكتبية قد لا تكون واقعية، لكن على الأقل تعاملت الحكومة بإيجابية وتراجعت عن بعض الخطوات وأعادت الكثير من المتضررين، وهذا يدفع الحكومة أكثر للخوض فى التفاصيل الدقيقة ولا تتعامل بفوقية وهى تصدر قرارات قد تطحن أسراً فى أمَسّ الحاجة لهذا الدعم.

الثالث: هناك فئات «يحرم» الاقتراب منها، ولا يجب رفعها من القوائم إلا وفق أبحاث اجتماعية عن كل حالة فردية فيها، وهم الفئات المسجلون فى قاعدة بيانات تكافل وكرامة، والضمان الاجتماعى بإجمالى 5.2 مليون أسرة وما استجد من بيانات نتيجة المبادرة الأعظم فى التاريخ «حياة كريمة» وفق آخر تحديث نشرته وزارة التضامن الاجتماعى فى 15/5/2024، والذى تقدر بعض النشرات والتصريحات الصحفية أن إجمالى المستفيدين 27 مليون مواطن.

الرابع: نطرح العدد الأخير من مجموع المستفيدين من دعم المواد التموينية البالغ عددهم نحو 60 مليون مواطن يكون البحث والتحرى والتنقيح فقط فى 33 مليون مواطن.

الخامس: فكرة التحويل للدعم النقدى بدلاً من العينى، فى ظاهرها «مغرية» لكن تفاصيلها «مرعبة» تحتاج إلى الانتهاء أولاً من قاعدة بيانات مهولة، ثم إلى استقرار مالى لفترة زمنية لا تقل عن ثلاث سنوات على الأقل حتى يشعر المواطن باستمرارية قوة الجنيه.

وحتى يتحقق هذا الأمر أو ذاك، أقترح أن يتم الإعلان عن إمكانية «تعليق» فورى لخدمات الدعم، كبادرة شخصية من المواطنين، الذين أصبحوا فى حالة ميسورة، يستطيعون «الآن» الاستغناء عن الدعم، وهم أعداد أعتقد أنهم كثر، لكنهم يخشون عدم دوام يسر الحال، ما يجعلهم يحصلون على دعم لا يستحقونه «الآن»، خشية زوال يسر الحال «فيما بعد».

ما أرجوه من رئيس الحكومة وهو شخص أثق فى استيعابه للأمر، أنه مقابل أن يكون التعليق المؤقت سريعاً، أن تصبح العودة عنه أيضاً «سريعاً» أيضاً، ولا يتطلب الدخول فى دوامات من الإجراءات البيروقراطية، إذا شعر المواطن أن يسر الحال قد ولّى.

هذه الفكرة أعتقد أنها فى البداية قد لا يقبل عليها كثيرون، لكن الثقة المتراكمة فى عودة «المعلقين اختيارياً» سوف تجعل الإقبال عليها بشكل أكبر فيما بعد، إذا حافظنا على جسر الثقة بين المواطن والحكومة.