حكايتي مع وطن (2).. عودة الثقة في القدرة المصرية

09:54 م | الثلاثاء 05 ديسمبر 2023

لسنوات طويلة، كانت السفارة المصرية بالنسبة للمغترب مكاناً لا يطاق، نموذجاً للبيروقراطية، مستودعاً للتعالى، موطناً لغربة أكثر قسوة، كان اللجوء إليها كمستجير من الرمضاء بالنار.

أجيال من الدبلوماسيين المتعالين على مواطنيهم، دهسوا أحلام الناس، كسروا بخاطرهم، شاركوا بإهمالهم لواجباتهم فى الظلم الواقع على من رزح تحت مقصلة نظام الكفيل.

أتحدث عن سنوات السبعينات وما تلتها من عقود نهاية ألفية قديمة، وأربع عشرة سنة من الألفية الجديدة، حتى طال التغيير كل شىء فى الداخل والخارج.

فجأة اكتشفنا أن لدينا دبلوماسيين شباباً، قمة فى النشاط، والتواضع والثقافة والحس الوطنى، أحدثوا فرقاً رهيباً منذ اليوم الأول، بنفس الإمكانيات وبنفس الموظفين وبنفس أعضاء السلكين الدبلوماسى والقنصلى.

وكأننا كنا تحت تنويم مغناطيسى لعقود طويلة، متقبلين حالة الهوان، متأقلمين مع إحساس الدونية، لا ننظر للعظمة التى تسكن قلب كل مصرى، واكتفينا بالنظر لما فى جيوب الآخرين.

أذهلتنى عملية الانتخابات الرئاسية فى الخارج، وكيف تحولت سفارات كانت مهجورة قبل تسع سنوات، إلى قطعة من مصر العظيمة، تضم بحنان كل مغترب، تحترم باحترافية حقه فى الإدلاء برأيه، وتذلل بابتسامة كل الصعوبات.

لم تعتد عينى أن تخرج أصوات مصرية على قنوات مصرية وطنية حديثة، تعلن منح صوتها لمرشحين مختلفين، ومن أين؟ من قلب سفارات مصرية فى دول كانت تمنح المعارضين حماية فى الهجوم بالأكاذيب على مصر.

أعجبنى قيام سفير مصرى بنهر مندوب مرشح رئاسى كان يدعو الناخبين للتصويت لمرشحه، وطالبه باحترام الأصول القانونية والإجرائية لعملية التصويت، وطالبه بالخروج خارج أرض السفارة.

أسعدنى حجم اللُّحمة التى جمعت بين الجاليات المصرية، وبين أعضاء البعثات الدبلوماسية فى الخارج، وكم المتطوعين للمساعدة فى عملية التنظيم المدهشة فى أغلب سفاراتنا.

انبهرت من إصرار مصريين بأعداد قليلة جداً فى دول بعيدة، على السفر فى ظروف صعبة، سواء مناخية أو أمنية أو اقتصادية أو معيشية، والوصول للسفارة للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات.

هذه الثقة التى يمنحها المصريون فى الخارج لبلدهم دليلٌ على أن بلدنا تغير للأفضل والأحسن والأحدث، فكانوا نموذجاً ملهماً لكل مصرى فى الداخل ليصبح هو أيضاً مثالاً على تجديد الثقة فى الإدارة الحالية التى أثبتت قدرتها على القيادة.

لن أمنح صوتى للمرشح عبدالفتاح السيسى فقط، بل سأمنحه للإدارة التى اختارها، وللثقة التى زرعها، وللمكانة التى استعادها، وللعظمة التى نفض عنها غبار إهمال عقود طويلة مضت قبل 30 يونيو 2013.