«التكنولوجيا المالية» تحسم سباق المنافسة بين البنوك في 2021

التكنولوجيا المالية

التكنولوجيا المالية

09:27 م | السبت 29 مايو 2021

ثورة مصرفية بدأتها البنوك مع بداية الألفية الجديدة، امتزجت مع التطور التكنولوجى الهائل كسمة أساسية لها، فما بين إطلاق خدمات إلكترونية كالموبايل والإنترنت البنكى ومحافظ الهاتف المحمول وتأسيس بنوك رقمية متكاملة، وبين البنوك التقليدية وخدماتها المعتادة، هل ستتغير قواعد المنافسة لدى القطاع المصرفى؟!

تحليل لـ« الاقتصادي» يكشف: البنوك الأكثر تحقيقاً للأرباح هي الأكثر بحثاً عن تطوير الخدمات الرقمية

عالمياً استحوذت التكنولوجيا على النصيب الأكبر من استثمارات البنوك وخططها المستقبلية، مدفوعة بتفضيلات المستهلكين للخدمات المالية الرقمية واستخدامها فى شتى جوانب الحياة والمعاملات اليومية، مقارنة بتلك الخدمات التقليدية التى تتطلب الذهاب للفروع وبذل مزيد من الوقت والجهد.

وأظهر مسح أعده «الوطن الاقتصادى» أن أكبر البنوك العالمية التى بدأت بنوكاً تقليدية حوّلت مسارها لتعزيز البنية التحتية التكنولوجية لديها كبديل عن الأصول الثابتة وتأسيس فروع تقليدية جديدة.

ويُعد ذلك القاعدة الأساسية التى يستند عليها بنك HSBC البريطانى سادس أكبر بنك فى العالم وأكبر البنوك الأوروبية، بإجمالى أصول بلغ 2.72 تريليون دولار، والذى يوجه حوالى 80% من استثماراته فى تطوير ودعم المنظومة الإلكترونية لديه، فى ظل استخدام العملاء للخدمات المصرفية الرقمية بنسبة 92.7% من إجمالى معاملات البنك، كما شهدت تنزيلات المنصات الإلكترونية لديه زيادة بنسبة 146% خلال عام 2020.

وأجبرت التكنولوجيا القطاع المصرفى العالمى على الاعتماد عليها وغيّرت من قواعد المنافسة التقليدية التى كانت تعتمد على تحقيق المعادلة فى أن البنوك الأكثر انتشاراً جغرافياً هى الأعلى فى تحقيق الأرباح والأكثر نمواً واستدامة، بينما أصبحت المنافسة تدور حول أن أفضل البنوك هى الأكثر قدرة على تقديم المنتجات والخدمات الرقمية بأعلى كفاءة وسرعة.

وعززت جائحة كورونا التى ضربت العالم فى مطلع 2020 من توجه المستهلكين للبحث عن التكنولوجيا المالية باعتبارها الأكثر راحة وأماناً، وذلك ما عبّرت عنه «ماستركارد» فى بحثها حول زيادة عدد مستخدمى التطبيقات المصرفية الرقمية بنسبة 53% مقارنة بعدد المستخدمين قبل الجائحة، إضافة إلى أن 64% من الأشخاص محل الدراسة فى 14 دولة مختلفة يستبعدون التعامل بالكاش مقارنة بما قبل جائحة كورونا.

ومحلياً أظهر مسح أعده «الوطن الاقتصادى» حول سياسات البنوك الأعلى ربحية فى القطاع المصرفى المصرى أن البنك التجارى الدولى تمكّن من تحقيق أعلى صافى أرباح مقارنة بالبنوك المدرجة فى البورصة المصرية بقيمة 10.2 مليار جنيه خلال عام 2020، وبتحليل سياساته المتبعة أوضحت توجهه نحو تطوير واستحداث أفضل الخدمات والمنتجات الرقمية والذى انعكس على ارتفاع عدد المعاملات البنكية الرقمية عبر الهاتف المحمول Mobile Banking بنسبة 118% على أساس سنوى خلال عام 2020، لتصل قيمة المعاملات إلى 53 مليار جنيه، كما شهد البنك زيادة بنسبة 35% على أساس سنوى فى عدد مشتركى خدمة الإنترنت البنكى للأفراد خلال عام 2020، فى الوقت الذى زاد فيه عدد المشتركين فى تطبيق المحفظة الذكية بنسبة 34% خلال الفترة نفسها لتتضاعف قيمة العمليات المنفذة من خلالها بزيادة قدرها 107% لتصل إلى 2.8 مليار جنيه، وذلك فى ظل عدم افتتاح فرع واحد للبنك خلال عام 2020.

كما حلل «الوطن الاقتصادى» سياسات بنك قطر الوطنى الأهلى- مصر ثانى أعلى بنك من حيث صافى الأرباح مقارنة بالبنوك المدرجة بالبورصة المصرية بقيمة 7.49 مليار جنيه خلال عام 2020، وبتحليل سياساته المتبعه أوضحت أن البنك يعزز من خدماته ومنتجاته الإلكترونية باحثاً عن الريادة، بداية من إطلاق تطبيق «Scan to Pay»، كأول بنك مصرى، الذى يتيح للتجار قبول المدفوعات التجارية بسهولة وأمان عبر الهاتف المحمول من خلال تكنولوجيا رمز الاستجابة السريع QR code وصولاً إلى إطلاق خدمة «إسورة الدفع الإلكترونى»، كأول بنك مصرى أيضاً والتى تسمح لحاملها بسداد قيمة المشتريات باستخدام نقاط البيع الإلكترونية «POS» بمجرد قراءة بيانات الإسورة عن بُعد.

بينما فضّل QNB فى سياساته تحقيق التوازن بين التكنولوجيا المالية، والتوسع الجغرافى بافتتاحه حوالى 3 فروع جديدة خلال عام 2020.

وأوضح تحليل «الوطن الاقتصادى» لسياسات البنوك الأعلى ربحية ترجيحها لكفة التكنولوجيا، ومحدودية التوسع الجغرافى التقليدى لديها، ويُعد تحقيقها لأعلى معدلات ربحية مؤشراً فى أن تعزيز المعاملات الرقمية هو السبيل الأفضل للحفاظ على قدرة البنوك على المنافسة فى الفترة المقبلة، خاصة أن توجه البنوك نحو الاستثمارات التكنولوجية وتطوير الخدمات الإلكترونية يُعد من الأعمدة الأساسية لخطة الدولة نحو التحول الرقمى.

كما أوضح استطلاع أعده «الوطن الاقتصادى» فى وقت سابق حول مستقبل القطاع المصرفى ضم 60 من قيادات البنوك العاملة فى السوق المحلية أنه بعد توجُّه كثير من العملاء لاستخدام الخدمات الإلكترونية فى الفترة الأخيرة للحد من انتشار عدوى كورونا رجح 60% من المشاركين فى الاستطلاع الاستثمار فى البنية التحتية التكنولوجية على حساب الاستثمار فى التوسع الجغرافى للبنك.

بينما فضل 22% تقريباً الاستثمار فى التوسع الجغرافى على حساب الاستثمار فى البنية التحتية التكنولوجية اعتماداً على سلوكيات الأفراد وارتباطهم بالفروع أكثر من الأدوات التكنولوجية، فيما ذكر 18% تقريباً أنهم يفضلون تحقيق الموازنة بين الاستثمار فى البنية التحتية التكنولوجية والاستثمار فى التوسع الجغرافى.

وذلك ما عبّر عنه معدل نمو إجمالى فروع البنوك فى السوق المحلية بأنه على الرغم من نمو عدد الفروع من 4423 فرعاً بنهاية 2019، لتصل إلى 4532 بنهاية 2020، بمعدل نمو 2.46%، فإن متوسط معدل نمو عدد الفروع خلال آخر 5 سنوات بلغ 3.4%، ما يعكس أن عدد فروع البنوك زادت خلال العام الماضى ولكن ليست بنسبة الزيادة المعتادة لدى القطاع المصرفى، وهو ما يعطى مؤشراً لتباطؤ معدلات نمو زيادة الفروع بالقطاع.

كما تراجعت نسبة الكثافة المصرفية تراجعاً محدوداً من 22.8 ألف فرد لكل وحدة مصرفية بنهاية 2019، لتسجل 22.7 ألف فرد لكل وحدة مصرفية بنهاية عام 2020، والذى يشير إلى التطور البطىء أيضاً فى توجه البنوك للفروع التقليدية مقارنة بنمو عدد السكان وتحديداً البالغين.

على صعيد آخر هل ستزاحم التكنولوجيا العاملين فى القطاع المصرفى البالغ عددهم 126.044 ألف عامل فى ظل مستهدفات الدولة للحد من تفاقم معدلات البطالة التى سجلت 7.4% من إجمالى القوى العاملة فى مصر فى الربع الأول من 2021، مقارنة بمتوسط البطالة عالمياً الذى سجل 5.42%؟

وأوضح الاستطلاع الذى أعده «الوطن الاقتصادى» تأكيد 85% تقريباً من المشاركين فى الاستطلاع أنه حتى بعد توجه كثير من العملاء لاستخدام خدمات البنوك التكنولوجية بمعدل غير مسبوق، وفى ظل خطط البنوك للتوسع نحو المعاملات الرقمية، فإنها ستحافظ على موظفيها الحاليين الذين يقدمون الخدمات المصرفية التقليدية وستعمل على تدريبهم وتطوير أدائهم فى المعاملات الرقمية، مع تشديد معايير اختيار الموظفين الجدد لتتناسب مع متطلبات الخدمات التكنولوجية الجديدة، فيما يرى 15% أنه قد يتم الاستغناء عن بعض الموظفين الحاليين واستبدالهم بموظفين أكثر كفاءة فى التعامل مع الخدمات التكنولوجية.

وعلى الرغم من أن التوجه التكنولوجى أصبح مساراً إجبارياً لقواعد المنافسة المصرفية الجديدة، فإن السوق المحلية لديها العديد من المعوقات التى تحول دون اعتماد البنوك على التوسع التكنولوجى فقط، لعل أبرزها استمرار الوجود المصرفى المحدود فى المناطق والقرى المصرية الذى ظهر فى تراجع الوزن النسبى لعدد فروع البنوك فى القرى من 27.31% من إجمالى فروع البنوك بنهاية عام 2019، لتسجل 26.65% بنهاية عام 2020.

وأوضحت النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزى ثبات عدد فروع البنوك فى القرى منذ شهر سبتمبر 2019 وحتى ديسمبر 2020، فى ظل افتتاح 167 فرعاً جديداً فى تلك الفترة، وذلك فى ظل وجود 4740 قرية يسكن بها حوالى 57% من سكان مصر وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة التنمية المحلية.

وقد تكون كذلك ثقافة بعض الأفراد وتخوفهم من الاعتماد على التطبيقات الإلكترونية فى المعاملات المالية أحد معوقات البنوك فى التوسع الإلكترونى.

وما زالت البنوك المصرية تستهدف تعزيز الشمول المالى لدى الأفراد ورغبتهم فى التعرف على المنظومة المصرفية فى ظل تعامل 33% فقط من الأفراد البالغين مع القطاع المصرفى مقارنة بحوالى 93% فى الدول مرتفعة الدخل و63% فى الدول النامية وفقاً لبيانات البنك الدولى.

من جانبه يرى محمد أوزالب، العضو المنتدب والرئيس التنفيذى لبنك بلوم- مصر، أن قواعد المنافسة المصرفية رجّحت جودة الخدمات والمنتجات المصرفية الرقمية لدى كل بنك، مشيراً إلى أن الخدمات التكنولوجية ستعزز من الشمول المالى خاصة لدى فئة الشباب الأكثر تعاملاً معها.

محمد أوزالب: الخدمات والمنتجات الرقمية قد تكون الأسرع وصولاً لـ«أهل القرى».. وستدعم بقوة الشمول المالي

وأوضح أن كافة شرائح المجتمع فى جميع أنحاء مصر من مدن وقرى يستخدمون الهواتف الذكية ويجيدون التعامل معها، وبالتالى فقد تكون الخدمات والمنتجات الإلكترونية مثل الموبايل والإنترنت البنكى هى الأسرع وصولاً لدى قاطنى القرى، فبضغطة زر يتمكن المزارع أو العامل من إتمام معاملاته المالية البسيطة.

وأشار إلى دخول مقدمى خدمات مالية أخرى ساحة المنافسة مستخدمين التطبيقات الرقمية فى تسهيل إجراءاتهم والوصول للعملاء، مما يعزز أيضاً من توجهات البنوك لتطوير خدماتها الرقمية.

أشرف الغمراوي: «كورونا» عززت من توجهات المصارف نحو التكنولوجيا.. والبنوك المصرية نجحت في مواكبة التطور العالمي

واتفق معه أشرف الغمراوى، الرئيس التنفيذى لبنك البركة مصر، أن توجه البنوك نحو تعزيز البنية التحتية التكنولوجية لديها أصبح أمراً حتمياً، فالتطور التكنولوجى على الساحة المصرفية العالمية هائل، مشيداً بأداء البنوك المصرية ومواكبتها لأحدث الخدمات والمنتجات المصرفية الإلكترونية.

وأشار إلى أن جائحة كورونا سرّعت من توجه كثير من مستخدمى الكاش للمعاملات الرقمية، كما أنها ضاعفت من قيم المعاملات التى تتم من خلال القنوات المصرفية الإلكترونية، مما يعكس ثقة المتعاملين فى تلك الخدمات، فلا سبيل آخر لدى البنوك التى ترغب فى الاستدامة والمنافسة القوية من التوجه نحو التكنولوجيا فى المرحلة المقبلة.

 

 

 

 

 

اقرأ المزيد:

عرض التعليقات