«أبوالفضاء المصرى»: «التصنيع الكثيف» أملنا فى تقدم الدولة.. وتجب إعادة هيكلة منظومة «البحث العلمى» فوراً

الدكتور محمد بهي الدين عرجون

الدكتور محمد بهي الدين عرجون

10:03 ص | الأحد 01 يوليو 2018

تصوير - محمود صبرى

قال الدكتور محمد بهى الدين عرجون، أستاذ ديناميكا المركبات الفضائية والطيران بكلية الهندسة فى جامعة القاهرة، ومدير برنامج الفضاء المصرى السابق، إن «التصنيع الكثيف وثقافة التكنولوجيا هما مفتاح النهضة لمصر»، موضحاً أنه يعنى أن نصنع كل شىء يمكن أن ننتجه ونبيعه، باستخدام التكنولوجيا التى تحقق الانضباط والدقة وغيرهما للصناعة.

وأضاف «عرجون»، فى حوار لـ«الوطن»، أن «هناك 6 دول يمكن أن تكون نموذجاً نحتذى به فى مسعانا لهذه النهضة وأقربهم إلينا ماليزيا»، مقترحاً أن تبدأ مصر تصنيع «السليكون» بأسرع وقت ممكن باعتباره صناعة قائدة لنهضتها، موضحاً أن أزمة البحث العلمى أنه غير موجّه ولا توجد خطة معروفة تحدد أولوياته، وأن كل باحث «بيعمل اللى هو عاوزه مش اللى البلد عاوزاه»، ولا يوجد مسئول واحد يعرف خريطة البحث العلمى فى مصر، لافتاً إلى أن الحل فى وجود مجلس أعلى يحدد الأوليات بشكل مدروس وينسق بين مراكز الأبحاث مع إعداد قاعدة بيانات تشمل كل الأبحاث التى جرى ويجرى إعدادها حتى يسهل على المصنّعين والمسئولين الاستفادة منها.

«عرجون» لـ«الوطن»: «السليكون» مشروع قائد لـ«نهضة مصر».. ولا أعلم لماذا لا يتخذ المسئولون قراراً بتصنيعه

وطالب أستاذ ديناميكا المركبات الفضائية، والملقب بـ«أبوالفضاء المصرى»، بإحياء برنامج الفضاء الذى بدأ منذ سنوات، وأسفر عن إطلاق القمر «إيجبت سات 1»، الذى حقق كل أهدافه، والتى منها بناء قاعدة علمية قادرة على بناء أقمار صناعية يجب الاستفادة منها وليس إهمالها.

إلى نص الحوار:

هناك شبه اتفاق على أن البحث العلمى فى مصر محدود ونتاجه متواضع.. فما السبب من وجهة نظرك؟

- الأسباب متعددة، لكن يجب أن نفهم أولاً أنه لا يمكن لدولة ساعية لتحقيق نهضة أن تتجاهله، خاصة أن التصنيع قاطرة النهضة، ولا يوجد تصنيع بدون بحث علمى، ونقطة البداية هى تحديد أهداف البحث وأولوياته وإصلاح منظومته المختلة.

وما الأهداف الصحيحة للبحث العلمى فى مصر؟

- أولها إيجاد حلول لمشاكل الدولة الأساسية، وهى فى مصر مرتبطة بثلاث مسائل رئيسية «الصحراء، المياه، الطاقة»، وتأتى الزراعة كجزء مهم من قضايا المياه.

لماذا تقول إن مشكلات مصر الأساسية هى الطاقة والمياه والصحراء فقط؟

- لست أنا من يقول، فهذه طبيعة المشكلات الهيكلية لمصر، والتى تختلف من بلد لآخر، ومثلاً ما يميز اليابان عن غيرها هو أنها جزيرة عجوز، أى إن عدد الشباب فيها قليل، وفقيرة فى مواردها الطبيعية، والبحث العلمى هناك يتعامل مع هذه المعطيات الثلاثة التى تحدد أولوياته، وهذا لا يمنع أن ينشغل الباحثون بكل المشكلات الأخرى لكن تظل الأولوية لهذه المعطيات، إن مصر بلد صحراوى فقير فى مصادر الطاقة والمياه، وبالتالى المتوقع أن تكون أولويات البحث فى هذه المجالات الثلاثة، ولأبحاث تُمنح جوائز الدولة التقديرية ويخصص لها القدر الأكبر من التمويل، ومفهوم الصحراء متسع، إذ يشمل كل ما يتعلق ببلد صحراوى بدءاً من تطوير التكييف الصحراوى وحتى طبيعة المساكن التى تناسبه، وهو المجال الذى كانت الريادة فيه للمهندس حسن فتحى، وتشمل كذلك التركيز على مصدر الطاقة الأكبر لنا وهو الشمس وتطوير كل التقنيات التى تساعدنا على مواجهة الجفاف وقلة المياه، والغريب أن الإنسان يسعى الآن لتوطين القمر والمريخ، أليس الأولى أن نسعى نحن لتوطين الصحراء؟ هذه هى القضايا التى يجب أن تشغل البحث العلمى المصرى، والعائد من هذه الأبحاث المفيدة مليارات، أى أضعاف ما ينفق عليها.

6 دول تشكل «مصنع العالم» الذى يستورد منه الجميع من سلك الكهرباء حتى جرار القطار.. ومصر يجب أن تكون الدولة السابعة.. وإذا كنت دولة مستهلكة وعدد سكانك 100 مليون «تكون مصيبتك كبيرة».. ومضطرون للتصنيع ليس لزيادة الدخل وإنما للبقاء

وماذا عن الأدوار الأخرى للبحث العلمى؟

- تمهيد الطريق لإقامة مجتمع تصنيع وتكنولوجيا ونقل تكنولوجيات جديدة علينا مثل «النانو تكنولوجى» التى يمكن أن تلعب دوراً مهماً جداً فى تحلية مياه البحر التى نحتاجها.

وهل هذا متحقق على أرض الواقع؟

- لا، لأن البحث العلمى ببساطة غير موجّه، ولا توجد خطة معروفة تحدد أولويات هؤلاء الباحثين، فالباحثون موزعون على الجامعات ومراكز الأبحاث، حيث تضم الجامعات 70% منهم، والباقى فى المراكز المختلفة، ووفقاً لقانون الجامعات يوزع الأساتذة وقتهم بواقع 50% للتدريس و10%‏ لخدمة المجتمع و40% للبحث العلمى، ونشاط البحث متروك للباحثين كل حسب رغبته، ويكون الهدف منه فى الغالب الحصول على درجات علمية ومكافآت، وكثير من هذه الأبحاث يكون استكمالاً لرسالة الدكتوراه، فتجد مثلاً بحثاً عن كيفية إقامة سدود على نهر كولورادو.

لدينا 40 مركزاً رئيساً مثل المركز القومى للبحوث وغيره.. فماذا عنها؟

- تخضع الأبحاث هناك لرؤية المشرفين عليها، والذين يكلفون الباحثين فى هذه المراكز بالعمل وفقاً لما يرونه مهماً، وهذا يجب أن لا يكون كذلك، على الأقل فى دولة ساعية للنهضة، ويجب أن يتم البحث العلمى وفقاً لخطة تحددها الدولة طبقاً لاحتياجاتها، وتكلف بها الجامعات ومراكز الأبحاث خلال مدة محددة، وبتمويل مناسب، أما ما يحدث عندنا فهو إهدار، إذ لا توجد دولة تترك ذخيرتها من الباحثين يضيعون الجهد والوقت فيما لا يمثل لها أولوية.

ولماذا لا توجد خطة مركزية للبحث العلمى؟ هل هذا راجع لعدم إدراك المسئولين لأهميته؟

- المشكلة ليست فى صانع القرار، ولا فى تحديد الأهداف، ولكن فى هيكل منظومة البحث العلمى المختلة، والتى تحتاج لإعادة تنظيم فوراً، والبحث العلمى كله يحتاج إعادة هيكلة، ونقطة البداية ليست تحديد ما تريد، ولكن إصلاح منظومة البحث الحالية التى لا يمكن معها تحقيق أى أهداف مهما كانت معقولة ومحددة.

وما وجه الخلل؟

- هناك آليتان للبحث، الأولى: طريقة البرامج والفرق البحثية، والثانية: فردية تنافسية، ومعظم الأبحاث عندنا يتم بالطريقة الثانية أى بمبادرات من الباحثين، وهذا لا يحقق طفرة فى أى مجال لأنها جهود مبعثرة ليس لها هدف واضح ولا تتكامل مع غيرها، ولا يعرف أحد عنها شيئاً، وأنا أحب تشبيه البحث العلمى بـ«العنب» فى حالتنا المصرية، حيث لدينا حبات عنب وليس لدينا «عناقيد» والفرق كبير، والأبحاث الناتجة عن مبادرات فردية تشبه حباته، لكن ما نحتاجه هو أبحاث متراكمة فى مجال محدد تشبه العنقود تؤدى مع اكتمالها لطفرة فى حل مشاكلنا، وبالتالى لو تولى مسئول جاد وزارة البحث العلمى غداً فى مصر ولديه رؤية وأهداف واضحة تتطابق مع أولوياتنا «هيحتاس ومش هيعمل أى حاجة» لأنه لا توجد قاعدة بيانات أو خريطة بإنتاج البحث العلمى تقول أو توضح له أنشطة الباحثين، وماذا يعملون عليه، وإلى أى مرحلة وصلوا، وما الذى يحتاجونه حتى يُتموا ما بدأوه.

ما القرارات التى ستتخذها لو توليت أنت مثلاً مسئولية البحث العلمى فى مصر لإصلاح هذا الخلل؟

- أول قرار سيكون إعداد قاعدة بيانات بالأبحاث التى تمت وتلك التى يجرى العمل فيها، ومدى التقدم فى كل بحث، وهذا ممكن إذ تم تعيين أستاذ فى كل قسم، وكل المراكز تكون مهمتها إعداد قاعدة بيانات حتى تكون الصورة فى شكل عنقود، وليس حبات يمكن أن يستفيد منها صانع القرار، ومع اتضاح الصورة سنرى أموراً كبيرة غائبة عنها، فقد نكتشف مثلاً أن هناك 40 باحثاً يعملون على موضوعات ليست مهمة، وثانياً: إنشاء مجلس أعلى للتنسيق بين الجامعات والمراكز البحثية المختلفة ووضع الأولويات، ويشكل فرق بحثية تعمل على مسائل مختلفة، ويطلب من كل الباحثين المختصين الانضمام لأى من هذه الفرق والتنسيق معها، وكل فريق يرأسه عالم مشهود له بالكفاءة ويتم تحديد فترة زمنية للوصول إلى إجابات أو حلول مع توفير الدعم المناسب، وتتم المتابعة وفقاً للأهداف المطلوبة، وجود هذا المجلس سيحل إحدى المشكلات الكبيرة، وهى التعامل مع المراكز البحثية التى لا تخضع لوزارة البحث العلمى.

ماليزيا أقرب نموذج يمكن أن نحتذيه ويجب أن نحمد الله أننا عشنا فى عصر مهاتير محمد حتى نتعلم منه

كيف ذلك؟

- وزارة الدولة للبحث العلمى مسئولة فقط عن 11 مركزاً بحثياً، وهناك 29 مركزاً كبيراً لا تتبعها إدارياً، بل تتبع الوزارات المختصة، مثل مركز البحوث الزراعية الذى يتبع وزارة الزراعة، ومركز بحوث المياه الذى يتبع الرى وهكذا، ما يعنى أن 70% من نشاط البحث العلمى تتم خارج الوزارة، ولاحظ أن القاسم المشترك بين المراكز التى تتبع هذه الوزارة هو أن الدولة لم تجد لها حاضناً طبيعياً أو أباً شرعياً كما يقولون، فضمتها لوزارة البحث دون أن تكون بينها أى علاقة، إذ لا يوجد رابط واضح بين المركز القومى للبحوث ومعهدَى البلهارسيا والبترول، وحين طالبت وزارة البترول بتبعية الأخير إليها اقترحت الحكومة أن يكون مناصفة بين وزارتَى البترول والبحث العلمى، وإعادة هيكلة المنظومة على هذا النحو هو الحل الصحيح من وجهة نظرى حتى تتحول منظومة البحث لمصنع يُنتج أبحاثاً موجهة لحل قضايا محددة وليست أبحاثاً فى المطلق لنيل درجات علمية والسلام.

ما أسباب ضعف العلاقة والثقة بين المصنّعين والباحثين المصريين؟

- هذا يأخذنا مرة أخرى لقضية ربط البحث بالإنتاج، وأتعجب من إلحاق البحث العلمى بالتعليم العالى، مع أن المنطق يقول إنه بالأساس يجب أن يرتبط بالصناعة، أما الثقة فى مستوى البحث فيمكن بناؤها مع الوقت، والدولة تستطيع أن تلعب دوراً فى هذا، بدعم البحث المحلى وتكاليف الباحث الذى يتولى حل مشاكل مصنع معين، أو تقديم إعفاءات ضريبية للمصنع الذى يستعين بأبحاث وطنية، وأقترح إلزام كل مصنع يتجاوز عدد موظفيه مثلاً 250 عاملاً بإنشاء مركز بحث علمى خاص به يخصص له 5% من الأرباح تكون معفاة من الضرائب، ومن المهم جداً أن يدرك الباحث أن المُصنع هو رب عمله، وأنه يعمل عنده لحل مشاكله، ولا يصح أن يتعالى عليه، وأرى أن أول ملف تتم الاستعانة فيه بالبحث العلمى هو المصانع المتعثرة، فالحديث كله يركز على دور المصرفيين فى حل مشاكل هذه المصانع، وطبعاً مشاكل التمويل مهمة جداً، لكن مشاكل الصناعة نفسها لا تقل أهمية، وأقترح تشكيل 40 لجنة تضم اختصاصات مختلفة منها الباحثون لعلاج كل حالة على حدة.

هل التمويل جزء من مشكلات البحث العلمى؟

- التمويل ليس مشكلة إطلاقاً فهو يمثل مشكلة حين تكون هناك أهداف واضحة ونقصه يعرقل الباحثين عن تحقيقها، لكن فى حالتنا لا توجد أهداف أساساً مطلوبة من الباحثين، وبالتالى لو زادت مخصصات البحث فكل التغيير الذى يمكن أن يحدث أن من كان يحصل على 5 قروش سيحصل على 6 قروش فقط لا غير، وربما لا تجد المراكز مصارف حقيقية أو مجدية لها للمخصصات الإضافية.

ما دور البحث العلمى فى تحقيق النهضة لأى مجتمع بصفة عامة؟

- قاطرة النهضة ومفتاحها هو التصنيع الكثيف، وثقافة التكنولوجيا والبحث العلمى هى رافعة الصناعة التى تزود كفاءة المصانع، وتطور أداءها، وبالتالى لا يوجد بحث علمى نشط فى وجود حركة تصنيع خاملة.

ماذا تقصد بـ«التصنيع الكثيف وثقافة التكنولوجيا»؟

- التصنيع الكثيف يعنى دخول الدولة فى كل مجالات الصناعة، والتخلى تماماً عن فكرة التركيز على صناعات محددة التى روجت لها الشركات العالمية، أى نصنع كل شىء يمكن أن ننتجه ونبيعه، وحقيقة الأمر أن هذا ليس خياراً، فلا تستطيع أى دولة عدد سكانها 100 مليون الاكتفاء إلا أن تكون صناعية، ويجب أن تصبح مصر جزءاً من مصنع العالم بأسرع وقت ممكن.

وما هو مصنع العالم؟

- هناك دول بعينها، هى كوريا الجنوبية والصين والهند وتركيا وماليزيا وتايوان، اسمها «مصنع العالم» لأنها تنتج كل شىء، من سلك الكهرباء إلى جرارات القطارات، وباقى العالم يستورد منها، ويجب أن تضم مصر لهذه الدول، لأنك إذا لم تكن منتجاً ستكون مستهلكاً، وإذا كنت مستهلكاً وعدد سكانك 100 مليون «تكون مصيبتك كبيرة»، وحقيقة الأمر أن مصر مضطرة للتصنيع ليس لزيادة الدخل القومى وإنما للبقاء.

لكن الاعتقاد السائد منذ سنوات أن الطريق الصحيح هو تخصص كل دولة فى صناعات محددة.

- هذه الفكرة تخدم الدول الكبيرة وشركاتها، والصين على سبيل المثال رفضت هذا المنطق ودخلت فى كل الصناعات، ونحن أيضاً يجب أن نصنع كل ما نستطيع إنتاجه وبيعه، فلماذا نستورد المسمار الحدادى ونحن نستطيع أن ننتجه؟ والصواب أن نبنى مصانع فى كل مكان والجودة تأتى مع الوقت، لابد أن يوجد المنتج أولاً ثم تتحسن الجودة بعد ذلك، وليس هناك طريقة أخرى.

ماذا تقصد بثقافة التكنولوجيا التى اعتبرتها مع التصنيع الكثيف مفتاحاً للنهضة؟

- أقصد أن ثقافة تكنولوجيا التصنيع من الآلة البخارية حتى أقمار الفضاء، وليس ثقافة استهلاك تكنولوجيا الاتصالات والمحمول والكمبيوتر، فالتصنيع بصفة عامة يعنى فرَق عمل تنتج شيئاً معيناً فى وقت محدد، وينتج عن ذلك شيوع ثقافة تتميز بالانضباط والإتقان والتخطيط والدقة، ويستتبعها نظام تعليم جيد، وارتفاع فى مستوى التفكير وهكذا، ولاحظ أن هذه سمات مشتركة فى البلاد الصناعية رغم اختلافها ثقافياً فى الأساس، وبدأت هذه الثقافة مع الثورة الصناعية فى بريطانيا ثم ألمانيا فيما عُرف بالثورة الصناعية الثانية، ثم بقية أوروبا الغربية، ثم أمريكا، ثم اليابان 1860 التى أصبحت أول دولة صناعية عظمى فى التاريخ تولد فى الشرق بعد أن أخذت التكنولوجيا بثقافتها من الغرب ثم انتقلت هذه الثقافة إلى الصين بعدها بـ102 سنة، وسبقها فى ذلك الاتحاد السوفيتى فى عهد ستالين الذى حوّل الروس وباقى دول الاتحاد من شعب إقطاعى زراعى لشعب صناعى بالقسر، وكل هذه الدول تشابهت ثقافتها الآن بسبب دخول الصناعة، ونحن نريد اللحاق بهم.

لماذا يعانى المصريون من شيوع ثقافة التواكل وعدم الانضباط التى أشرت إليها فى كتابك «صعود الأمم»؟

- أنا لا عرف لماذا، ربما يجيب عن هذا السؤال علماء الاجتماع، لكنى أعرف طريقة العلاج، وهى باختصار شديد، تطبيق القانون بحزم، وهو قادر على علاج كثير من أوجه الخلل عندنا.

ما أقرب نموذج يمكن أن تحتذى به مصر فى مسعاها للنهضة؟ وفى أى مرحلة نحن من مراحلها؟

- نحن لم ندخل عصر النهضة بعد، لأنها تستغرق وفقاً لاستقرائنا لتجارب الدول المماثلة، 30 عاماً متصلة من الثبات على السياسات، والإرادة والتصميم على الانطلاق، ويمكن اختصار هذه الفترة فى بعض الحالات لـ18 عاماً، أما عن النموذج، فهناك 6 دول أسميها «دول النموذج» فى كتابى وهى «ماليزيا وإندونيسيا والبرازيل وتايوان وكوريا الجنوبية وتركيا»، وهذه الدول ظروفها متشابهة وطريقها للنهضة متشابه، لكن إذا كنت تريدنى أن أختار دولة واحدة، فهى «ماليزيا»، وقال مهاتير محمد عن أفضل طريقة لتحقيق النهضة بمصر: «نحن أخذنا نموذج اليابان وأنتم ابحثوا عن نموذج يناسبكم واتبعوه»، وأتمنى أن أرى مصر ماليزيا جديدة، وإذا كان هذا رأى «مهاتير» فيجب أن نصغى له، فهو يشبه فى رؤيته وكفاحه الأنبياء، وأرى أننا يجب أن نحمد الله أننا عشنا فى عصره حتى نتعلم منه.

هل يوجد مشروع تعتقد أنه يمكن أن يكون قائداً للنهضة فى مصر؟

- كنت وما زلت أعتقد ضرورة أن نسارع لدخول مجال «السليكون»، فلدينا أفضل رمل أبيض فى العالم بعد بلجيكا وبكميات كثيرة، وهذا تُصنع منه الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية والألياف الضوئية الخاصة بالإنترنت والتليفونات على ثلاث مراحل متتابعة فى التصنيع، وهى سلع لا ينفد الطلب عليها، وتكلفة المصنع الواحد بمراحله الثلاث 2 مليار دولار، وأول مرحلة تكلفتها 300 مليون دولار، ويترتب عليه صناعات كثيرة، والعالم كله مستعد لاستيرادها منك ومن اليوم الأول، لذلك أعتقد أنه صناعة قائدة لمصر، ولا أعلم لماذا يستثقل المسئولون هذا القرار.

كيف ترى برنامج الفضاء المصرى بعد مغادرتك له منذ 10 سنوات؟

- البرنامج توقف تقريباً منذ 2010 بعد انتهاء العمر الافتراضى للقمر «سات 1»، والآن هناك حديث عن برنامج جديد، وأعلنوا أنهم سيطلقون أقماراً صغيرة تسمى «كيوب سات»، وهو أمر محير من كل الوجوه.

وما وجه الحيرة؟

- لماذا نفكر فى برنامج جديد ولا نبنى على ما تحقق من خبرات وإنجازات؟ ولماذا توقف البرنامج الأول؟ ولماذا بعد أن أيقن الجميع أن وقف البرنامج كان خطأ لم يتم تصحيحه.

قيل وقتها إن البرنامج توقف بعد أن تاه «إيجبت سات 1» فى الفضاء؟

- هذا كلام غير صحيح وتعبير «تاه» شىء مؤسف، رددته بعض الصحف وقتها من خلال حملة سخرية مبنية على عدم معرفة، و«إيجبت سات 1» قصة نجاح كبيرة، وتحول فى الفضاء وكان عمره الافتراضى 3 سنوات والاحتياطى عامين إضافيين، وظل القمر يعمل بكفاءة لـ3.5 سنوات حتى انتهى عمره، وتحققت كل أهدافه الأخرى، فقد نجحنا فى استيعاب تكنولوجيا الأقمار وبنينا قاعدتنا العلمية وأصبحنا قادرين على بناء أقمار صناعية، وكل المهندسين الذين عملوا فى «إيجيبت سات 1» أصبحوا مديرى مشروعات فى الدول المتقدمة فضائياً، ولكن يبدو أنه لم يكن هناك إيمان عند بعض المسئولين بقدرات المصريين فوجهوا لى الشكر، ومنذ ذلك الوقت لم يتحقق أى تقدم فى البرنامج.

ولماذا توقف البرنامج؟

- لا أعرف، وكانت خطتنا بناء 3 أقمار يمثل كل واحد فيها مرحلة من مراحل التصنيع، الأول يمثل نقل التكنولوجيا، وتحقق ذلك مع «إيجبت سات 1» ثم توطين التكنولوجيا، ثم تطويرها فى «إيجبت سات 2» و«إيجبت 3»، وهو ما لم يحدث، وكانت فكرتى أن نبدأ مبكراً فى إطلاق القمر الثانى، وقدمت كل تفاصيل تصنيع «إيجبت سات 2» فى 2006، ولكن المسئولين قرروا بدلاً من تصنيعه إرجاء الموضوع «للوقوف على الدروس المستفادة من إيجبت سات 1»، أى تجميد المشروع، ومنذ ذلك الحين لم يضع أحد مسماراً فى قمر جديد أو قديم. ويجب العودة لاستكمال هذا البرنامج فى أسرع وقت ممكن والاستفادة من القاعدة العلمية التى اكتسبتها مصر فى هذا المجال الحيوى وليس إهمالها.

اقرأ المزيد:

عرض التعليقات